ضربة أخرى للموساد الإسرائيلي، كان آخرها اغتيال محمود المبحوح في دبي، وكأن ملابسات تلك الحادثة، بحيثياتها، وتخطيطاتها مشابهة لحادثة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل عام 1996، ما يعني انها تحمل في جعبتها اشياء كثيرة تجعل من السائل يطرح أسئلة عدة، ما هو مصير قضية اغتيال المبحوح مستقبلاً؟ ولماذا وقعت عملية الاغتيال داخل الإمارات دون غيرها؟ إن تلك الاسئلة تحتمل توقعات، وقراءات عدة مرتبطة بمجريات، وحيثيات الهدف المنشود من وراء تلك العملية، وما ستؤول اليه من نتائج، لإجراء عملية تشريح في هيكل تلك القضية.
القراءة الأولى : قياس حادثة بحادثة
إن حادثة الاغتيال الفاشلة، التي تعرض لها خالد مشعل في الأردن عام 1996، ادت الى ولادة صفقة ما بين اسرائيل والاردن، استطاعت فيه الأخيرة إخراج المئات من الأسرى الفلسطينيين والعرب وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين، فهل الفشل الذي تعرض له الموساد الإسرائيلي في اخفاء ملابسات جريمة اغتيال المبحوح مشابه لنتائج عملية اغتيال مشعل؟ وهل ستؤول الى تنازلات إسرائيلية يستطاع من خلالها صوغ صفقة جديدة؟
كل تلك الاحداث تضعنا امام توقعات محتملة مبنية على ما حدث سابقاً، من خلال استغلال فشل الموساد مرة اخرى، واستخدامه كورقة ضغط على الجانب الاسرائيلي (كما استخدمته الاردن)، لإبرام صفقة جديدة، يتم من خلالها إخراج كثير من الأسرى الفلسطينيين. فعلى الأرجح ان تكون هذه الصفقة مغايرة للصفقة الأولى، ويتضح ذلك من خلال تدهور العلاقة ما بين الجانبين الاوروبي والاسرائيلي، على خلفية الجوازات المزورة، التي انتحلتها إسرائيل، حيث ان الاتحاد الأوروبي (ربما) سيسعى الى استغلال هذه الثغرة، كورقة ضغط ومساومة على الحكومة الإسرائيلية، تحمل معها شروطاً، لفتح صفحة جديدة بين الطرفين. هنا (ربما) تتقمص أوروبا بقميص حسن النوايا تجاه القضية الفلسطينية، لحل بعضٍ من قضاياها العالقة، كقضية الاسرى “مثلاً”، لان اوروبا تعرف ان اسرائيل تبحث عن آليات جديدة لإنهاء قضية الأسير الإسرائيلي شاليط؟ وهي بحاجة الى من يحلحل جدران تلك القضية.
ولكن، ما هي معالم وبنود تلك الصفقة المحتملة، وما هو الإطار الزماني، والمكاني، الذي سيحتضنها؟
القراءة الثانية: ليس المبحوح هو المقصود.
اما فيما يخص السؤال الثاني، “ لماذا وقعت عملية الاغتيال داخل الامارات دون غيرها؟”، وكأن هذا السؤال يضعنا امام قراءة (متوقعة) مفادها، هل هو مخطط لإغراق الإمارات في دوامة عدم الاستقرار؟
قبل الاجابة على هذا السؤال بسؤال آخر، يجب ان نمر مرور الحقيقة على ما أشارت اليه العديد من التقارير والوكالات الاخبارية للعام المنصرم، “ان الإمارات فككت شبكة لـ“تنظيمات” ممولة من الخارج، أرادت تفجير برج دبي (خليفة)، واستهداف قيادات عليا في الأسرتين الحاكمتين في إمارتي أبوظبي ودبي، علاوة على محاولة تفجير بعض الأهداف الاقتصادية البارزة، ما سيؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة في سمعة البلاد كمركز مالي عالمي”، إضافة الى ذلك، فقد صرحت شخصيات سياسية إماراتية قائلة “إن الازمة المالية التي مرت بها امارة دبي هي من تخطيط جهات دولية”. امام هذه الحقائق والوقائع، هل يمكن اعتبار اغتيال المبحوح من ضمن مخطط يستهدف الامارات؟ ام إنها حادثة عابرة وقعت بالمصادفة؟
من خلال تلك القراءات، نتذكر حكمة قديمة تقول: الليالي حبالى وتلد كل عجيب”، فهل ستطول مدة تلك الليالي لولادة أجوبة ما زالت في غياهب الجب، والكتمان، فالليل حالك، والتحقيق جار في فلك معرفة الحقيقة، هكذا هي الحقيقة من قريب، أما من بعيد، فهل تستطيع إسرائيل تحويل قضية اغتيال المبحوح إلى طلاسم لا يفهم منها شيء لإنقاذ صورتها التي أخذت بالتدهور أمام الاتحاد الأوروبي؟