لم أتخل عن رئاسة الجمهورية تحت أي ضغط خارجي أو داخلي
أعلن، أمس، الرئيس السابق، اليامين زروال، امتناعه عن الإستجابة لأنصاره
المطالبين بترشحه لرئاسيات 2009، وحسب ما تضمنه بيان باسم زروال، فإنه قرر
الإعتزال والتخلي نهائيا عن ممارسة السياسة، استمرارا لقراره بتنظيم
انتخابات رئاسية مبكرة في العام 1999، لم يترشح لها، وفاز بها أنذاك "مرشح
الإجماع" عبد العزيز بوتفليقة: "وخلاصة القول، فقد قررت، بكل حرية، التخلي
نهائيا عن مساري السياسي، اعتقادا مني بأن الوقت قد حان لتجسيد التداول
بما يضمن وثبة نوعية لأخلاقياتنا السياسية ولممارسة الديمقراطية".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وجاء في بيان زروال، تسلمت "الشروق" نسخة منه: "وإذ أجدد عميق احترامي
وبالغ تقديري إلى كافة المواطنين الذين أبدوا إرادة صادقة لحثي على الترشح
للرئاسيات القادمة، فإني أود أن أنتهز هذه الفرصة لأذكر الرأي العام
الجزائري بأن قرار تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، الذي أعلنت عنه في 11
سبتمبر 1998، لم يكن نتيجة لمناورة سياسية ولا نتيجة أي ضغط داخلي أو
خارجي، كما لم يمله تراكم الصعوبات المستعصية"، وأضاف زروال: "بل قرار
إتخذته، في الواقع، من منطلق قناعتي العميقة بأن الديمقراطية لا يمكن أن
تقام حقا وتترسخ دون فسح المجال للتداول على السلطة".
إمتناع أو رفض الجنرال اليامين زروال، دخول مراطون الرئاسيات القادمة التي
لم يبق عن موعدها سوى أقل من 3 أشهر، يأتي في وقت أعلنت فيه "حركة
المواطنة الجزائرية لمناشدة الرئيس زروال للترشح"، عن تنظيم تجمع شعبي
بولاية عنابة نهاية الأسبوع الجاري، وهو ما تعتبره أوساط مراقبة، ردّ مسبق
عن هذه "الدعوة" التي رفض زروال الإستجابة لها لأسباب وقناعات ذكرها في
بيانه.
وأكد "موقف" الرئيس اليامين زروال من الترشح لرابع رئاسية تعددية في
الجزائر، بعض المعلومات المتطابقة والتصريحات التي وردت على لسان وجوه
حزبية وسياسية، إضافة إلى بعض المؤشرات التي كانت تسير في طريق ضد تيار أو
احتمال إعلان زروال ترشحه مجددا لكرسي المرادية، وهنا ينبغي الإشارة إلى
أن التجمع الوطني الديمقراطي، الحزب الذي كان محسوبا ومواليا لزروال
و"جماعته"، أصدر مؤخرا بيانا رسميا، في ظل "نداءات" زروال للترشح، يجدّد
دعوة الرئيس بوتفليقة إلى الترشح لعهدة ثالثة.
وأكد الرئيس زروال في بيانه، أنه بالفعل استضاف عديدا من المواطنين الذين
توافدوا من مختلف مناطق البلاد، مشيدا بالثقة التي وضعها في شخصه هؤلاء،
ومعبرا عن جزيل شكره وامتنانه لهم، مدرجا اقتراحاتهم ودعواتهم في إطار
الروح الوطنية المتجذرة.
وذكّر رئيس الجمهورية السابق بمواقفه السياسية، خاصة تلك الواردة في خطابه
إلى الأمة في 11 سبتمبر 1998، وكذا بيانه الصحفي الصادر بتاريخ 6 جانفي
2004، مذكرا أيضا بمساره السياسي، بداية من رئاسته للدولة في سنة 1994
تتويجا لندوة الوفاق الوطني: "كنت قد قبلت بالفعل، التكفل بشؤون الدولة في
ظروف كانت غاية في التعقيد والصعوبة، من أجل تحقيق جملة من الأهداف التي
اعتبرها كلها أساسية، لكونها تتمثل في تقويم البلاد ولا سيما من خلال
استعادة الأمن للأشخاص والممتلكات، وإذكاء روح المواطنة، وبناء الصرح
المؤسساتي وبعث التنمية الإقتصادية والإجتماعية وإعطاء المكانة اللائقة
للجزائر في محفل الأمم".
وأشار زروال إلى قانون الرحمة "الذي إلتف حول تحقيقه وتقاسمه جميع
المواطنين تقريبا، وهو ما سمح للجزائر بالمحافظة على كيانها وباستعادة
الثقة في ذاتها"، مضيفا: "وقد أثبتت هذه الثقة التي تعززت بعودة الآلاف من
الجزائريين إلى أسرهم بفضل تدابير الرحمة"، وأكد وزير الدفاع السابق، أن
"تقويم البلاد، لم يكن يتطلب يومها تعبئة القوات المسلحة فحسب، بل تطلب
أيضا توظيف حس المواطنة لدى كل القوى الحية من أجل التغلب على وحش
الإرهاب"، مستطردا: "وتلكم هي الروح التي تم على أساسها مباشرة الحوار
الذي أقيم وكرس كإطار مفضل للتشاور مع كل الجزائريين".
الرئيس زروال، أوضح أنه في نفس الإطار المفضل للتشاور، تم تنظيم انتخابات
رئاسية سنة 1995، قبل مراجعة المنظومة القانونية، بينها تعديل الدستور
والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية والإنتخابات، إضافة إلى تنظيم
انتخابات تشريعية ومحلية سنة 1997، كما أشار زروال في تذكيره لـ "حصيلة"
توليه رئاسة الجمهورية، بالنتائج المحققة على الصعيد الإقتصادي: "وقد سمح
التوقيع على الإتفاقيات مع صندوق النقد الدولي بتجنيب الجزائر وضعية عجز
شبه كامل..كما مكنها بمساهمة إطارات جزائريين نزهاء وأكفاء من تجاوز وضع
من أدق الأوضاع خطورة بالنسبة للبلاد".
أما على الصعيد الخارجي، فأبرز زروال أن الجزائر رغم مواجهتها منفردة
لأزمة متعددة الأبعاد ومن أشد الأزمات خطورة منذ الإستقلال، "يمكنها اليوم
أن تفخر بما قامت به بالأمس، عن جدارة، حيث فضلا عن بقائها وفية، وفاء
مطلقا لمواقفها المبدئية إزاء كبريات القضايا الدولية، قد تمكنت بالإعتماد
أساسا على إمكانياتها الخاصة وعلى قدراتها الذاتية، من أن تسجل عودة
مستحقة على المسرح العالمي".
زروال المنتخب بأغلبية ساحقة في أول رئاسيات تعددية نظمت في 16 نوفمبر
1995، أكد أنه من واجب الجزائر اليوم أن "تتجه بحزم نحو المستقبل، وتباشر
مرحلة جديدة تتسم بانتهاج سبيل الديمقراطية الحقة وممارسة العمل السياسي
السليم"، مضيفا: "وإذا كان يجب بالضرورة أن تقوم دولة الحق والقانون، على
مؤسسات قوية متأتية من الإرادة الشعبية المعبر عنها بحرية، فإن السعي إلى
تحقيق هذا الهدف السامي، يظل في نظري، شرطا لا محيد عن تلبيته لكي يكون
مفهوم المصلحة العليا للجزائر بمثابة القلب النابض لدى اتخاذ أي قرار حتى
لا يرهن مستقبل البلاد ومصير الأمة".