وبما
أن المنطقة الأمامية من الدماغ أي منطقة الناصية هي التي تمارس نشاط
الكذب، فإن القرآن بذلك يكون أول كتاب تحدث عن هذه المنطقة من الدماغ
وعلاقتها بالكذب بل وصفها بالكذب(ناصية كاذبة). وهذا سبق علمي للقرآن.
الخطأ
والآن
ماذا عن الخطأ؟ لقد وجد العلماء كما رأينا أن منطقة الناصية في الدماغ أو
الفص الجبهي هو المسؤول عن اتخاذ القرارات الخاطئة!! ولذلك فإن الوصف
القرآني دقيق جداً من الناحية العلمية عندما وصف الناصية بالخاطئة: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ). وهنا أيضاً نلاحظ أن القرآن قد ربط بين الناصية وبين الخطأ، وهذا ما كشفه العلماء حديثاً جداً.
الصدق
لاحظ
عزيزي القارئ أن العلماء اكتشفوا كما رأينا أن الصدق لا يكلف الدماغ
شيئاً، وأن الكذب يتطلب طاقة كبيرة، وهنا تتجلى فائدة جديدة من فوائد
الصدق، وسبحان الله! عندما أمرنا الله تعالى بالصدق فإن هنالك فائدة من
هذا الأمر، وهذا يثبت أن الله تعالى لا يأمر إلا بشيء فيه منفعة للبشر.
يقول تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد: 21].
وتأمل
معي البيان الإلهي كيف حدثنا عن ذلك الإنسان الذي أكرمه الله بالهدى
والإيمان وآتاه من آياته العظيمة، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فكيف
حال شخص كهذا؟ يقول تعالى مشبهاً كل من يكذب بآيات الله: (فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176].
ونتساءل:
لماذا شبه الله تعالى الذي يكذب بالكلب الذي يلهث؟ لأن عملية الكذب
والتكذيب تحتاج إلى بذل جهد وطاقة، تماماً كما يبذل الكلب طاقة كبيرة
عندما يلهث. إنها بالفعل عملية تحتاج إلى تفكير وتحليل لنستيقن بأن من
يكذب بآيات الله تعالى فهو كالكلب! ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
كما
رأينا فإن العلماء وجدوا أن الدماغ مصمم ليعمل على أساس الصدق، أي أن
النظام الافتراضي للدماغ هو الصدق، أي أن الإنسان يولد ودماغه مصمم ليكون
صادقاً، وربما نتذكر كلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن
هذا الأمر فقال: (كلُّ مولود يُولَدُ على الفِطْرَة)، والله تعالى يقول: (فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30]. فالله تعالى قد فطر الناس منذ ولادتهم على الصدق، وهذا ما يعترف به العلم اليوم.
القيادة والتوجُّه
يقول تعالى على لسان سيدنا هود عليه السلام بعدما كذّبه قومه فقال لهم: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[هود:
56]. فالله تعالى هو الذي يأخذ بناصية جميع المخلوقات ويوجهها كيف يشاء،
ولقد اختار الله تعالى هذه المنطقة لأنها المسؤولة عن التوجيه والسلوك
والقيادة. وبذلك يكون القرآن أول كتاب يشير إلى أهمية هذه المنطقة من
الدماغ في التوجيه والسلوك.
إن
منطقة الناصية كما رأينا تتحكم باتخاذ القرارات الصحيحة وبالتالي كلما
كانت هذه المنطقة أكثر فعالية وأكثر نشاطاً وأكثر سلامة كانت القرارات
أكثر دقة وحكمة، وبالتالي كان الإنسان على طريق مستقيم، ومن هنا ربما ندرك
سرّ الربط الإلهي بين الناصية وبين الصراط المستقيم في الآية الكريمة (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). وفي هذا إشارة إلى أهمية هذه المنطقة في سلوك الإنسان وهذا ما أثبته العلم وأشار إليه القرآن.
[size=9]ونتذكر أيضاً دعاء النبي الكريم يخاطب ربه: (ناصيتي بيدك).
وفي هذا تسليم من النبي إلى الله تعالى، بأن كل شأنه لله، وأن الله يتحكم
كيف يشاء ويقدر له ما يشاء. والسؤال: هل أدرك النبي الرحيم عليه الصلاة
والسلام أن منطقة الناصية تلعب دوراً مهماً في العمليات العليا للإنسان
مثل الإدراك واتخاذ القرارات والتوجيه وحل المشاكل، ولذلك سلَّم هذه
المنطقة لله تعالى في دعائه:(ناصيتي بيدك)؟
[size=9]وهنا
لا بدّ من أن نتساءل: هل يوجد تناقض بين ما جاء في القرآن قبل أربعة عشر
قرناً، وبين ما يكشفه العلماء في القرن الحادي والعشرين؟