إن المتأمل في الكوادر البشرية والطاقات الفاعلة في مجتمعنا يؤمن تماماً أن وراء كل فذ تربية مثمرة وخلف كل طاقة قوة مؤثرة ..
ولقد تأملت في ذلك الخطيب الذي اهتزت المشاعر بألفاظه وتحركت الهمم والعزائم بعبارته فكم من ضال اهتدى وكم من مفرط آب ونشط .
وسمعت أصوات القراء وأئمة المساجد فحركوا القلوب وأخذوا بمجامعها وتمكنوا من شغافها ؛ فيالله كم من دمع جرى وأنينٍ سرى عند سماعهم والتأثر بهم.
ورأيت ذلك الطبيب وهو يزاول عمله فيضع السماعة تارة وتارة بمشرطه ومقصه فكم من الدعوات رفعت لله من أجله .
وكم اكتحلت عيني وعيون المسلمين برؤية ذلك العالم الرباني الذي يقود الناس بعلمه فهذا جاهل يتعلم وذلك حائر يسأل ، فهو باذل لعلمه ساعياً لنشر الخير في أمته ، وتنظر إلى الطلاب من حوله قد حملوا الكتب ينهلون من علمه فعالم ومتعلم ولا خير في الدنيا إلا بهم ، تستغفر لهم الملائكة والمخلوقات فهم في أعلى المقامات وكثير من الطاقات تنظر إليهم وتتأمل بما سطَّروه ، قد سطرت لهم الأجور والحسنات .
فمن هو ذلك الأول الذي خرَّج هؤلاء وفي موازين حسنات من أولئك الأفذاذ عيون الأمة وقادتها .
من هو ذلك الأول الذي علم الخطيب القراءة والكتابة ، من هو ذلك الأول الذي علم الطبيب حروف الهجاء ، من هو ذلك الأول الذي علمنا سورة الفاتحة وكيفية الوضوء والصلاة .
أتدري من هو ؟ إنه الجندي المجهول ، إنه الطاقة المغمورة في أوساط المشاق والكدر ، إنه ذاك العظيم الذي لم يقدَّر حق قدره ولم ينزل منزلته ، صاحب اليد الحانية والقلب الرءوم صاحب الحلم والصبر ، إنه ذاك الرجل الذي ضاع صيته ونُسي ذكره في مجتمعه .
تُرى من هو ؟ إنه يا أخي العزيز معلم المرحلة الابتدائية . ذلك الذي تفتقت الأذهان بين يديه وانطلقت الألسنة على مسمعيه وكتبت الحروف بين ناظريه ... بذر وغرس لتجني الأمة تلك الغراس .
فتحية لك أيها المعلم وهنيئا لك هذه الأجور ولا أنسى أن أذكِّرك باحتساب الأجر فإنه ما من مسلم يصلي ويقرأ ويذكر الله إلا ولك مثل أجره لأنك أنت الذي علمته ولكن عندما تحتسب الأجر من الله .
وعليك بالصبر وإلى مزيد من العطاء ومزيد من البناء فإن الأمة تنتظر غراسك وفقك الله لكل خير وسدد الله خطاك وشكر مسعاك .