بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد:
فإنَّ من نعمة الله علينا بهذا الدين القويم أن جعله ـ سبحانه ـ مباركًا على أهله ، به تنتظم أمورهم ، وتجتمع كلمتهم ، ويلتئم شملهم ، ويتحد صفهم ، وتقوى شوكتهم ، وتتحقق مصالحهم ، وبه تندفع عنهم الشرور والآفات، وتزول عنهم المحن والرزيات ، محققًا لهم السعادة والطمأنينة ، والتمكين والعز ، والقوة والمهابة ، والفوز والفلاح ، وليس شيء من ذلك متحققًا لأمة الإسلام ، إلا بتمسك صادق ، واعتصام جاد بحبل الله المتين ، ودينه القويم ، وصراطه المستقيم.
لنا هنا وقفة مع حديث عظيم ، ثابت عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، يبين فيه الجادة السوية ، والنهج السديد لانتظام مصالح المسلمين ، واستقامة أمرهم ، ويُحذِّر فيه من المسالك المنحرفة ، والطرائق المعوجة ، التي لا يُؤمَنُ معها العثار ، ولا تَجلِبُ للمسلمين إلا الأضرار والأخطار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (( من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، ماتَ مِيتةً جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عُمِّـيَّةٍ ، يغضَبُ لِعَصَبةٍ ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقُتل ، فَقِتلتُه جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ولست منه )). [مسلم: 1848].
تضمن هذا الحديث ثلاث وصايا حكيمة، يجدر بالمسلم أن يتأملها ، وأن يجدَّ ويجتهد في تحقيقها وتطبيقها:
الوصية الأولى: السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين ، والنصح لهم ، وعدم الخروج عليهم ونزع اليد من طاعتهم ، والحذر من مفارقة جماعتهم ، ومن خالف ذلك فمات ، مات ميتة جاهلية. ويجب أن يُعْرَفَ أنَّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين إلا بها ؛ فإنَّ بني آدم لا تتم مصالحهم إلا بالاجتماع ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس وأمير ، ولا إمرة إلا بالسمع والطاعة ، وولاة الأمر تنتظم بهم ـ.بإذن الله ـ مصالح المسلمين ، و بهم تجتمع كلمتهم ،
وتؤمن سبلهم، وتُقام صَلاتهُم ، ويُجاهد عدوهم ، وبدونهم تتعطل الأحكام ، وتعُمُّ الفوضى ، ويختل الأمن ، ويكثُر السلب والنهب ، وأنواع الاعتداء ، وينثلمُ صرح الإسلام ، ولا يأمنُ الناسُ على دمائهم وأموالهم وأعراضهم .
والواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يُتقرب بها إلى الله ، مع النصح للولاة ، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد والصلاح والعافية ، والحذر من سَبِّهِم ، والطعن فيهم ، وغشهم ، وقد ثبت في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (( لا تسبوا أمراءكم ، ولا تغشوهم ، ولا تُبغضوهم، واتقوا الله واصبروا ؛ فإن الأمر قريب )). رواه ابن أبي عاصم في السنة .
الوصية الثانية: تحقيق الأخوة الإيمانية، ، والحذر من العصبيات المذمومة ، والتعصبات المحمومة ، والحمِيِّات الجاهلية ، والعصبيات العرقية التي تُمزق ولا تجمع ، وتُشتت ولا تُؤلف ، وتُفسد ولا تُصلح ، ومن آثارها الوخيمة نشوء القتال تحت رايات عمية ، يُغضب فيها لعصبية ، أو يدعى إلى عَصبة ، أو ينتصر لعَصَبة . ومن كان على هذا النهج فقُتل ، فقِتلته جاهلية.
الوصية الثالثة: حفظ وحدة المسلمين ، ومراعاة حرماتهم ، والوفاء بعهودهم وعقودهم ، وعدم إخفار ذممهم ، والبعد عن الإضرار بهم وإيذائهم ، ومَن انحرفَ عن هذا السبيل المبارك ، وخرج على المسلمين ، يضرب بَرهم وفاجرهم ، ولا يتحاشى من مؤمنهم ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه براء ؛ ولهذا قال في الحديث: (( فليس مني ولست منه )).
فما أعظم هذه الوصايا النبوية ، وأما أشد حاجة المسلمين إلى تطبيقها ؛ لتتحقق لهم الخيرية ، وليأمنوا من الأخطار المُحْدقة ، والشرور المهلكة ، والعواقب الوخيمة.
ومن يتأمل ما سبق من وصايا وتوجيهات، يدرك سوء حال ، وقبيح فعال من اتخذوا إخافة المؤمنين ، وإرعاب الآمنين ، وقتل المسلمين والمستأمنين ، وتخريب المساكن ، وتفجير الدور سبيلًا وطريقًا ، زاعمين أنهم يصلحون: (( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ )). [البقرة: 12].
أفَمِنَ الإصلاح قتلُ النفوس المعصومة من الولدان والنساء والشيب؟ أو مِنَ الإصلاح الخروج على ولي الأمر المسلم ونزع اليد من الطاعة ، وتسفيه العلماء وتجهيل الفقهاء؟ أو من الإصلاح إتلافُ الأموال المحترمة ، وتدمير الدور والمساكن؟
أو مِنَ الإصلاح نقض العهود ، وإخفار الذمة ، وقتل المعاهدين والمستأمنين؟ هيهات وحاشا أن يكون هذا سبيل المسلمين.
نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يُعز دينه ، وأن يعلي كلمته ، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى ، وأن يجنب بلادهم كل سوء ومكروه ، إنه سميع مجيب.
منقول ببعض التصرف