يقول أمامنا ابن القيم : من أسباب إنشراح الصدر
الهدى والتوحيد
أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه . قال الله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [ الزمر 22 ] . وقال تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [ الأنعام 125 ] ، فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه ومنها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الإيمان فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب . فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه . وقد روى الترمذي في " جامعه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح . قالوا : وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية هذه تشرح الصدر وهذه تضيقه .
دوام ذكر الله
دوام ذكره على كل حال وفي كل موطن فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذاب
البعد عن الفضول
ومنها : ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم فإن هذه الفضول تستحيل آلاما وغموما وهموما في القلب تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله وما أشد حصر
طهارة القلب
ومنها بل من أعظمها : إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البرء فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه وهو للمادة الغالبة عليه منهما
إتباع السنة
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي وأكمل الخلق متابعة له أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح
العلم النافع
ومنها : العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع وليس هذا لكل علم بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع فأهله أشرح الناس صدرا وأوسعهم قلوبا وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشا
الإحسان إلى الناس
ومنها : الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما . وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت حتى يجر ثيابه ويعفي أثره وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق وانفساح قلبه ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه