أحباب البيان و الحرية
كانت الحركة الوطنية خلال 1940-1942 تفتقر إلى
القيادة. فقد مات ابن باديس الذي كان محل تقدير الجميع تقريبا. و دخل
مصالى الحاج السجن و المنفى، و فقد الناس الثقة في ابن جلول الذي كان
غامضا ومتذبذبا في المواقف خلال الثلاثينات، و تطوع فرحات عباس في الجيش
الفرنسي و هو لم يكن قد صعد بعد إلى منصة المسؤولية، و من ثم لم يكن
معروفا على المستوى الوطني، و كان معروفا شخصيا و لكنه لم يدخل امتحان
القيادة.و لذلك كان الجزائريون في حاجة إلى من يقودهم و يعبر عن رغباتهم.
خلال هذه الفترة الحرجة التي ساد فيها الفراغ السياسي، فلا تجمعات و لا
أحزاب و لا قادة، بل و لا حتى جريدة أو مجلة يلتفون حولها، دخلت الجزائر
مرحلة جديدة من حياتها السياسية.
- ظهور البيان الجزائري
منذ 8 نوفمبر1942 دخلت الجزائر مرحلة جديدة من
تطورها السياسي سيطر فيها الحلفاء من جهة و لجنة فرنسا الحرة من جهة أخرى،
و استمرت هذه المرحلة إلى نهاية الحرب و حوادث 8 ماي 1945. و قد تميزت هذه
المرحلة من الجانب الوطني بمحاولة ملئ الفراغ على يد فرحات عباس، أما
أعضاء حزب الشعب و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقد كانوا مقيدين أو
مبعدين عن المسرح السياسي. و تميزت الفترة بإطلاق العنان للشيوعيين
ليستأنفوا نشاطهم. و قد ظهر خلال ذلك تيار وسط مثله البيان الجزائري الذي
مثل التفكير المعتدل القائم على الطبقية و المصلحة الخاصة و مراعاة الظروف
- موقف أحباب البيان من السياسة الفرنسية
كان رد الجزائريين على أمر 7 مارس 1944 الرفض
باستثناء الموظفين وظهر فرحات عباس ليملأ الفراغ السياسي الموجود فألف
منظمة سماها أحباب البيان الجزائري وهي المنظمة التي أصبحت نشيطة تستقطب
آمال الجزائريين على مختلف اتجاهاتهم خلال الحرب وتعبر عن تمسكهم برفض
السياسة الفرنسية وقد قامت بتعليق لافتات بالعربية في أهم المدن الجزائرية
والتي تعلن "لا للجنسية الفرنسية نعم للجنسية الجزائرية وتسقط الجنسية
الفرنسية وتعيش الجنسية الجزائرية للجميع."وقد قام فرحات عباس بالاتصال
بمصالى الحاج في معتقله بقصـر الشلالة وكذلك بممثلي العلماء وكون معهم
جبهة موحدة أصبح هو المتحدث باسمها
- موقف أحباب البيان من الانتخابات في البلدية
ظهرت منشورات سرية تنادي الجزائريين بمقاطعة
الانتخابات البلدية التي كانت متوقفة وأعلن عباس في يونيو 1944 أن الوضع
خطير . وأنه لا يمكن الانتظار حتى تحرير فرنسا بينما الجزائر لاتزال أرضا
فرنسية و ناد الجزائريون بمقاطعة التصويت وعدم تسجيل أسمائهم في هيئة
الانتخابات الفرنسية .وانطلقت أصوات العلماء تنعت من يقبل الجنسية
الفرنسية بالكفر والخيانة وقد وعد فرحات عباس أحباب البيان بأنهم يعملون
على توزيع الثروات على الفلاحين وانهم يقفون ضد الإقطاع و الطبقات
الممتازة وأنهم يهدفون إلى إقامة جمهورية جزائرية مرتبطة بفرنسا بعد أن
تتحرر من فكرة الاستعمار الامبريالية .وما كادت سنة 1944تنتهي حتى كانت
الحركة الوطنية اكثر سياسة واكثر دعما وأعمق تجربة بالإضافة إلى أنها قد
دخلت مع الفرنسيين عهدا من التحدي والمواجهة لم تعرفه من قبل ، وهو العهد
الذي انتهى مجازر 8ماي 1945