السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث بعنوان التربية عند جون ديوي
التربية عند جون ديوي(1859— 1952م)
يعتبر جون ديوي (John Dewey) من أشهر أعلام التربية الحديثة على المستوى
العالمي. ارتبط اسمه بفلسفة التربية لأنه خاض في تحديد الغرض من التعليم
وأفاض في الحديث عن ربط النظريات بالواقع من غير الخضوع للنظام الواقع
والتقاليد الموروثة مهما كانت عريقة. ولد في أمريكا في ولاية فرمونت
Vermontفي مدينة برلنغتون. كان أبوه في حالة اقتصادية جيدة وأمه من أسرة
مثقفة وثرية. ساهمت والدته في حثه على المثابرة في طلب العلم وكانت شديدة
التعلق به وحريصة على تعليمه. كان ديوي منذ صغره محبا للقراءة والإطلاع.
كان يقضي معظم وقت فراغه بالمكتبات وعندما تزوج "أليس" أثرت فيه تأثيرا
عظيما ودفعته إلى الاهتمام بمشاكل الحياة المعاصرة. ومما يروى عن فرط
محبته لأبنائه وبناته أنه ألف كتابه الديمقراطية والتربية "وهو يحمل طفله
على إحدى ركبتيه ويضع الورق الذي يكتب فيه على الأخرى" (شفشق, 1980 م، ص
381).
حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جون هوبكنر (1884 م) وعمل في التدريس
وأثناء ذلك قام مع زوجته "أليس" ببناء مدرسة تجريبية ليطبق مشاريعه في
الميدان. لقد أتيحت الفرصة لديوي فزار الكثير من دول العالم وحاضر فيها
ونشر أفكاره وفي منتصف الخمسينات من القرن العشرين أصبحت فلسفة التربية
البراغماتية من أشهر الفلسفات وقد لاقت رواجاً حتى في العالم العربي.
قام ديوي بتأليف عدة كتب وهي تدل على سعة اهتماماته. تركز كتبه على
التربية وعلم الأخلاق والفلسفة وعلم النفس وكثيراً ما تكررت كلمة خبرة
Experience في محتويات كتبه ورسائله. من أهم كتب جون ديوي:
المدرسة والمجتمع The school and Society .
الديمقراطية والتربية Democracy and Education .
الخبرة والتربية Experience and Education .
كيف نفكر How We Think .
الحرية والثقافة Freedom and Culture .
تأثر ديوي فكرياً بدراسات هيجل الفلسفية وفروبل النفسية ودارون التطورية
وكان امتدادا لبيرس ووليم جيمس في فلسفتهما البراغماتية القائمة على
المنفعة والعائد الملموس أو الذي يمكن أن يلاحظ بالقياس. حرص ديوي على
التأكيد على غرس مبدأ تربية المتعلم على إتباع منهج علمي في حل مشكلاته
الحاضرة من خلال دراسة المشكلة وفرض الفروض وتجريبها.
نجح ديوي في هجومه على فلسفة التعليم النمطية التقليدية وساهم في دفع عجلة
التعليم إلى مسار مغاير له حيث نادى بأهمية الخبرة في التعليم وانتقد
أسلوب التلقين (Rote learning) وأنكر الاعتماد الكلي على الكتاب المدرسي
والمعلم كما شن هجومه على النظام التعليمي الصارم المبني على الطاعة
التامة للوائح الإدارية الجامدة. توجه ديوي إلى جعل المدرسة بيئة ثرية
بالخبرات حافلة بحركة المتعلمين من أجل تكوين عقلية علمية راشدة تستطيع حل
المشكلات بأسلوب منهجي. من القواعد التي جاهد ديوي من أجل ترسيخها أن
الطفل شمس التربية ونقطة ارتكازية في العملية التعليمية وأنَّه لن يتعلم
بشكل أمثل إلا من خلال الخبرات الحياتية فإنَّ تعلم السباحة مثلا لا يمكن
أن يتحقق من دون أن يمارس المتعلم عملية السباحة داخل الماء وكذلك شأن
سائر المهارات العقلية والاجتماعية.
من جانب آخر فإنه ومن خلال تجاربه ودراساته شدد على أهمية ربط المدرسة
بالمجتمع ونادى بالحياة الديمقراطية وبما أنه من أبرز علماء الفلسفة
التقدمية والبراجماتية فإنه حصر التربية بالمنفعة والمصلحة وأن التعليم
يجب أن يخدم الأغراض العلمية والأهداف الواقعية التي تنفع الفرد الحر
والمجتمع الديمقراطي.
عمل ديوي في التدريس في كل من جامعة "متشغن" و"منيسوتا" وفي جامعة
"إلينويز" وبدأ أعماله التجريبية قي مدرسته الخاصة بأفكاره ولعل الاتجاه
التقليدي القديم العقيم لم يوافق على توجهات ديوي فاستقال في عام 1904م
والتحق بجامعة "كولومبيا" في نيويورك إلى أن تقاعد في عام 1930م. ولم تكن
جهود ديوي منحصرة في الولايات المتحدة فلقد دعته تركيا في العشرينات من
القرن الماضي ليضع لها أسس تربية تقدمية.
وإذا كانت أفكار ديوي عموماً قد ساهمت في بناء الفكر التربوي المعاصر
إيجابياً فإن عددا من الباحثين الغربيين يرون أنَّ الانهيار الأخلاقي الذي
وصل إلى هاوية سحيقة لأسباب كثيرة منها مساهمة العلوم الاجتماعية
الإنسانية في تقويض القيم الروحية والأخلاقية. لقد آمن جون ديوي بنسبية
الأخلاق وأنها متغيرة فخسر العمق الروحي التربوي عندما أبعد ترسيخ مفهوم
الإيمان بالله في تربية الفرد والمجتمع بشكل متكامل.
الأفكار التربوية
التربية كما يتصورها ديوي "تعني مجموعة العمليات التي يستطيع بها المجتمع
أو زمرة اجتماعية كبرت أو صغرت أن تنقل سلطانها أو أهدافها المكتسبة، بغية
تأمين وجودها الخاص ونموها المستمر، إن التربية هي الحياة" (العمايرة،
2000 م، أصول التربية، ص 10). وبهذا حدد ديوي غرض التربية كحركة تخدم
المتعلم في يومه قبل غده مع التأكيد على أنها عملية مجتمعية ديمقراطية إذ
أن قوة المجتمع هي التي تصبغ الأفراد وتصيغ الأهداف فالعلاقة بين التربية
والمجتمع علاقة وطيدة منذ القِدم.
الفلسفة عند ديوي ترسم مسارات التعليم ولا يمكن الفصل بين الفلسفة
والتربية فالأول يقدم التصورات الضرورية والثاني يمثل التطبيق العملي لتلك
التصورات. إنَّ إسهامات ديوي يمكن تصنيفها تحت العلوم التربوية والفلسفية
والنفسية والسياسية. إذا أردنا أن نوجز فلسفة وعقيدة ديوي التربوية فإن
التعليم الأمثل عنده هو الذي يغرس مهارات ولا يكدس معلومات، وهو الذي
يلامس متطلبات الواقع، ولا ينغمس في تقديس الماضي.
ومما يترتب على الرؤية الفلسفية السابقة جملة من التطبيقات التربوية منها
أن التربية تقوم على مبدأ تفاعل المتعلم مع البيئة المحيطة به والمجتمع
الذي يعيش فيه ولذلك فإنه يحتاج إلى تنمية مهاراته الفكرية والعملية
دائماً ليقوم بحل المشكلات بشكل راشد وأسس علمية. استناداً لهذه الرؤية
فإن العلوم النظرية وتشعيباتها الكثيرة ليست ذات أهمية في المنهاج
التعليمي طالما أنها لا تخدم المتعلم في تصريف شئون حياته. قام ديوي
بتحويل عملية تهذيب الإنسان من العناية بالمُثل العقلية المجردة إلى
الاهتمام بالنتائج المادية الملموسة. في ظل هذه الفلسفة التي عُرفت باسم
البراغماتية والأداتية والوظيفية فإن البحث العلمي لحل المشكلات الواقعية
أهم أداة في الحياة لمعرفة الحقائق ولتربية الفرد ولتكوين المجتمع
الديمقراطي.
يرى ديوي أن أسلوب المحاضرة من الطرائق القاصرة في التعليم ومنافعها
محدودة لأنها لا تتيح الفرصة للمتعلم كي يستكشف الواقع، ويجمع المعلومات،
ويقيس الأمور، ويبحث عن الحلول. لهذا فإن أسلوب السعي في حل المشكلات
القائم على حرية المتعلم أكثر إيجابية وخير من الدروس التقليدية القائمة
على محاضرات المعلم التلقينية. وهكذا فإن جون ديوي لا يتفق مع طريقة جون
فريدريك هربرت في توصيل المعلومات عبر خطوات منهجية في عرض الدرس لأن
الطالب سيكون سلبيا فالمعلومات تأتي إليه في الفصل ولا ينجذب إليها.
من أفكار ديوي التربوية طريقة المشروع "project method" ويقصد بها أنَّ
يقوم المتعلمون باختيار موضوع واحد ودراسته من عدة جوانب كأن يذهب
المتعلمون إلى مزرعة وفيها يتعلمون كيفية الزراعة ويستمعون إلى تاريخ
الزراعة في تلك المنطقة ويتعاون كل فرد من المجموعة بعمل جزء من المشروع.
في عملية تنفيذ المشروع يقوم الطالب بجمع البيانات المطلوبة من المكتبة أو
مقابلة الأساتذة. من أهم سمات طريقة المشروع كنشاط شامل أن المتعلم عادة
سيتفاعل معه لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع. طريقة المشروع تشبع
حاجة المتعلم النفسية لأنها تراعي الفروق الفردية، وتدفعه إلى التعلم
الجماعي، وتحرره من قيود الكتاب المدرسي.
لم يوضح ديوي تفاصيل طريقة المشروع في التدريس ولكن تلميذه كلباترك قام
بوضع التفاصيل. من أهم خطوات طريقة المشروع للفرد أو للمجموعة:
وجود الغرض.
رسم الخطة.
تنفيذ الخطة.
تقويم الخطة (الحصري والعنيزي، 2000 م، ص 194).
يُعرِّف جون ديوي الديمقراطية التربوية بأنها طريقة شخصية للحياة، وهي
بالتالي ليست مجرد شيء خارجي يحيط بنا فهي جملة من الاتجاهات والمواقف
التي تشكل السمات الشخصية للفرد والتي تحدد ميوله وأهدافه في مجال علاقاته
الوجودية. ويترتب على هذا التصور ضرورة المشاركة في إبداء الرأي وصنع
القرار، وتأسيس الحياة المدرسية والأسرية على هذه المضامين الديمقراطية
لتنظيم الحياة (قمبر، 2001 م، الحرية الأكاديمية، ص 337). في ظل هذه
المنظومة نرى أن الديمقراطية في الحقل التربوي تعني ممارسات اجتماعية تؤكد
قيمة الفرد وكرامته، وتجسد شخصيته الإنسانية، وتقوم على أساس مشاركة أعضاء
الأسرة والجماعات في إدارة شئوونها ديمقراطياً (نذر، 2001 م، ص 413).
من الواضح أن كتابات ديوي تحمل في طياتها نقداً لاذعاً للتربية التقليدية
السائدة في عصره وعلى مر العصور. انتقد التربية التي تعتمد على حفظ
المعلومات عن ظهر قلب، وإعداد المتعلم للمستقبل مع تجاهل الحاضر وتهميش
المرحلة التي يعيشها المتعلم. كانت القاعدة هي أن المعلم هو أساس العملية
التربوية وجاء ديوي ليقلب الموازين وينقل الفكر التربوي إلى شمس التربية
أي إلى المتعلم واحتياجاته.
كانت كتابات ديوي دعوة قوية حطمت سيادة الأسلوب التقليدي الذي ساد التاريخ
الإنساني لفترات طويلة وفي مقابل ذلك جاء المذهب البراغماتي ليؤكد على دور
كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع في تنمية المتعلم ليعيش حراً مفكراً
منتجاً. التربية عند ديوي هي الحياة في حاضرها أولاً ثم تهتم بالمستقبل.
معاينة الدراسات الغربية تدل على أن الغربيين في معظمهم ينكرون فضل
الحضارة الإسلامية وأثرها في النهضة الغربية إلا أن ديوي في محاضراته كان
يؤكد على أن الغرب لا يذكر فضل الحضارة الإسلامية فقال: إننا عادة نغض
الطرف عن الاعتراف بفضل الحضارة المحمدية وأثرها في الحضارة النصرانية
فلقد كانت الحضارة الإسلامية متقدمة بشكل كبير. هذا كان صحيحا في ميدان
الفلسفة وأيضا في الميادين الأخرى" .(Dewey 1993, p.105)
في كتابه نظرية الحياة الأخلاقية تحدث ديوي عن دور الإقناع العقلي في غرس
القيم والأخلاق إذ يرى أنه لا يكفي المدح والذم، والثواب والعقاب،
والتحليل والتحريم. أساس الأخلاق ومضمونه هو معرفة أسباب العادات التي
نقوم بها لنتأكد من المعايير التي تضمن أنها عادلة…الذين يضعون القانون
ويشاركون في إيجاد العادات المفترض أن تكون، لديهم رؤية ثاقبة لحقيقة تلك
الأسس وإلا فإنَّ الأعمى سيقود الأعمى.
في كتابه الحرية والثقافة Freedom and Culture يناقش الماركسية كفلسفة
سياسية واقتصادية ويخالفها من حيث حرية الفرد ويؤكد على أن البيت أول مكان
يتعلم فيه الفرد الديمقراطية ويعتبرها منهج حياة ثم في نهاية الكتاب يتحدث
عن أمريكا كنموذج عالمي يقوم على البحث العلمي والتجربة والإيمان
بالتعددية الثقافية.
من خلال مراجعة كتابات جون ديوي يمكن استخلاص فلسفته التربوية في ضوء النقاط الآتية:
أولاً في ميدان العقيدة التربوية لجون ديوي:
1-كل تربية فاعلة تقوم على مشاركة الفرد في الوعي الاجتماعي للجنس البشري.
2-المدرسة مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى وينبغي أن تعكس صورة الحياة الجماعية:
"I believe that the school is primarily a social institution.”
3- الحياة الاجتماعية للطفل هي الأساس لجميع الأنشطة التعليمية.
4- نمط التعلم يجب أن يعتمد على طبيعة نمو قوى الطفل واهتماماته.
5-التربية هي الطريقة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي.
أعلى ديوي من شأن الخبرة الإنسانية واعتبرها مصدر العلوم والقيم وبخلاف
المدرسة المثالية فإن يرى أن المعرفة والقيم نسبية غير ثابتة فالعقل
البشري هو الحاكم الذي يقرر الصواب والخطأ.
ثانياً أهم وظائف المدرسة:
1-تبسيط وترتيب عناصر ميول الطفل التي يراد إنماؤها.
2-تطهير المتعلم من العادات الاجتماعية المذمومة وتهذيبه.
3-تحقيق الانفتاح المتوازن للناشئين كي يعيشوا في بيئة مصغرة فيها مشاركة وتآلف وتكاتف.
المدرسة عند ديوي بيئة ديمقراطية تسعى لإيجاد المواطن الديمقراطي والتربية
عملية دائمة للفرد ليساهم في بناء المجتمع مع مراعاة الفروق الفردية في
التدريس ووضع المنهج الدراسي.
ثالثاً: جوانب تساهم في التقليل من دور التربية المنظمة :
1-تكوين العادات اللغوية فإن "التعليم المقصود في المدارس قد يصلح من هذه
العادات اللغوية أو يبدلها، ولكن ما أن يتهيج الأفراد حتى تغيب عنهم في
كثير من الأحيان الأساليب الحديثة التي تعلموها عن عمد، ويرتدون إلى لغتهم
الأصلية الحقيقية".
2-القدوة أشد فعلاً في النفس من النصيحة "فالتعليم المقصود لا يكاد يكون
قوي الأثر إلا على قدر مطابقته السيرة" للأفراد الذين يكونون في بيئة
الطفل الاجتماعية.
3- ينمو الجانب الجمالي والذوقي حسب البيئة المحيطة والتعليم المقصود والمباشر يستطيع أن يقدم معلومات لا خبرات.
رابعاً: أسس التفكير العلمي:
1-وجود خبرة تهم الطالب.
2-ظهور مشكلة وعند المتعلم الحافز لحلها من خلال عملية التفكير.
3-ملاحظة المشكلة وربطها بالمعلومات السابقة عند المتعلم.
4-وضع الفروض والاحتمالات لحلها.
5-اختبار الفروض واقعياً ليتحقق المتعلم من صدقها. قائد السيارة مثلا إذا
توقفت سيارته ولم يعرف السبب فإن هذه المشكلة تُعتبر خبرة حية وموقف يدفعه
إلى التفكير في سبب المشكلة وهذا يدعوه إلى استرجاع معلوماته عند سبب توقف
السيارات عموماً. حرص السائق على تصليح العطل وعلاج الخلل أيضاً يدفعه إلى
وضع احتمالات وفروض مثل (نفاذ الوقود- عطل في البطارية…).
كيف يعمل هذا؟ كيف يصلح هذا هنا … هذه الأسئلة التجريبية هي أساس فلسفة
ديوي الذي لم يتّبع الأسئلة النظرية التجريدية (Solomon & Higgins,
1996, p. 262). يرى ديوي أن التفكير العلمي المبني على القدرة على الفهم
والتحليل وحل المشكلات العملية أفضل من حشو أذهان المتعلم بحشد من
المعلومات فالأصل في التعليم غرس المنهج العلمي في التفكير.
تعليق على أفكار جون ديوي
يقوم التفكير العلمي كنشاط إنساني على مبدأ الإيمان بقدرة الحواس والعقل
والبرهان من أجل الوصول للحقائق بصورة موضوعية تعتمد على إجراء التجارب،
واثبات النتائج تحت مجهر الاختبار. هذا المنهج الذي ينادي به الإسلام يعمل
على كسر احتكار العلم على فئة ما كما يعمل على نبذ الأوهام والغيبيات التي
لا سند لها. جاء جون ديوي ليركز على الحواس وكل ما يمكن قياسه مادياً
وبذلك أخذ جانباً من المنهج العلمي السليم في حين أنه فرَّط في قدرة العقل
على الاستنباط والاستدلال فما يتصل بأمر الدين فأخل ديوي بالمنهج العلمي
الشامل للتفكير من المنظور الإسلامي.
إن أسلوب حل المشكلات الحاضرة خير مهارة يتعلمها الإنسان لمستقبله
ولمواجهة تغيرات الحياة والتغلب على مشكلاتها. يجمع الباحثون على أن فكر
ديوي مازال يلعب دورا حيوياً وعلمياً وعملياً في الميدان التربوي المعاصر
رغم الانتقادات الموجهة والتحديات المتزايدة.
الكثير من أعلام الفكر التربوي العربي المعاصر لا يثيرون نقطة جوهرية هامة
عند حديثهم عن فلسفة ديوي وهي أنه غرس في أعماق التربية فلسفته
الإلحادية(Atheistic Philosophy) حيث أصبحت القيم نسبية.
كتب ديوي تقريراً عن طرق إصلاح التعليم في تركيا. لم نعثر على أي دراسة
تحليلية لهذا الموضوع علماً بأن ديوي لمس جوانب هامة في كيفية إصلاح
مؤسسات التعليم في تركيا وذلك من المنظور الغربي. اهتم تقرير ديوي بضرورة
توسيع دائرة التعليم المهني وتوجيه التعليم في تركيا نحو الدراسات
العملية. التقرير هو ثمرة لزيارة ميدانية قام بها ديوي لتركيا ووجد أن
العلوم النظرية هي السائدة في حين أن العلوم العصرية مهملة. كما طالب
بإنشاء مؤسسات وتخصصات تلبي التطورات في ذلك العصر الصناعي.
طريقة المشروع فيها إبداع وكسر للجمود في نمط التعليم ولكن من العقبات
التي واجهت ديوي ومازالت تواجه فكرته أن طريقة المشروع تستلزم تكاليف
مالية ومتطلبات إدارية غير متوفرة في المدارس العادية. ومن سلبيات هذه
الطريقة أن بعض الطلاب في المجموعة سيقومون في أداء المشروع وإنجاز الشطر
الأكبر منه فيصعب التحقق من مشاركة الجميع في إعداد وتنفيذ المشروع. يميل
بعض الطلاب للعمل الفردي والتربية يجب أن تهتم بالفروق الفردية. ومن
الثغرات أن المواد الدراسية تتداخل ويقع فيها التكرار في بعض الموضوعات أو
الإهمال في موضوعات أخرى. وأهم عقبة أننا من الصعب أن نقيس مدى استيعاب
الطالب للمادة العلمية المطلوبة إذا كان في المشروع مراحل كثيرة. إضافة
لذلك فإن بعض المشاريع قد تستغرق وقتاً طويلاً مما يصعب معه تقييم مستوى
الفائدة المرجوة.
تعرض ديوي للنقد عندما اقترح طريقة حل المشكلات كطريقة من طرائق التدريس
في المدرسة. ويمكننا أن نوجز بعض التحديات العملية التي قد تواجه أسلوب حل
المشكلات فيما يلي:
أسلوب حل المشكلات يحتاج بلا شك إلى معلم له إلمام بمسائل متنوعة وله
ثقافة واسعة وتجربة متجددة وهذا النمط من المعلمين المحترفين قلة لأن
المدارس التقليدية لا تعتني بهم ولا تمتلك مصادر متنوعة لتنمية ثقافتهم.
الطالب الطموح المحب للاستكشاف سوف يستفيد من هذا البرنامج أكثر من الطالب الذي يحتاج إلى عون المعلم.
المدارس ذات الموارد المحدودة ستحصر مشكلاتها (الأنشطة) داخل الأسوار المدرسية.
حل بعض المشكلات سيولد أحياناً المزيد من التساؤلات والمتاهات.
المبالغة في التأكيد على حرية المتعلم، ومرونة المناهج، وديمقراطية القرار قد تؤثر في المخرجات النهائية ولا تتحقق الأهداف المرجوة.
هذه التحديات لا تقلل من قيمة هذه الطريقة فلكل وسيلة تربوية نقاط ايجابية
وأخرى سلبية ولا تسلم أي نظرية من التحديات وهذه طبيعة الحياة التربوية.
إننا نتوقع نمو متزايد لأفكار ديوي لأن التكنولوجيا الحديثة ستفتح المزيد
من آفاق البحث الحر والمشاريع الإبداعية والانفتاح الثقافي. كما أن سقوط
الشيوعية أنعش الديمقراطية مما يدل على أن أفكار ديوي ستكون أكثر قبولا
على المستوى العالمي.
لقد تعلم ديوي من إسهامات الفلسفة الكلاسيكية ثم رسم مدرسته الحديثة على
أسس نفسية واجتماعية مختلفة. لقد أخذ من سقراط صفة الصبر، ومن أفلاطون عمق
التأمل، ومن أرسطو فكرة الواقعية ثم قدم لنا - مع غيره - الفلسفة
البراجماتية بغية تكوين الفرد الليبرالي والمجتمع الديمقراطي. ربط ديوي
الفلسفة بالتربية ثم ربط التربية بالحياة العملية ومشكلاتها وتحدياتها
بشبكة فكرية ذات نزعة عملية. هذه الشبكة هي نظرياته الشاملة التي تعتبر من
أبرز نظريات التربية الحديثة القائمة على مبدأ البحث الحر المستمر عن
المعرفة النابعة من الخبرة المباشرة والنشاط الذاتي.