كوهـــي نـــــــــور
هذه الألماسة التي يبلغ وزنها حوالي الـ 22 غراماً (والتي يعني إسمها جبل
النور) كانت في زمن من الأزمان أكبر ألماسة عرفها العالم، وقد كانت من ضمن
مقتنيات العديد من ملوك وأمراء الهند وبلاد العجم، ووقعت بسببها حروب طاحنة
أريقت فيها دماء وتطايرت رؤوس وكان الإستيلاء عليها يعتبر غنيمة الدهر.
أخيراً أصبحت إحدى درر التاج البريطاني عندما أعلن رئيس وزراء بريطانيا
بنيامين دزرائيلي الملكة فكتوريا إمبراطورة على الهند.
وكباقي الدرر والجواهر الثمينة فهناك أساطير وحكايا تتصل بالجوهرة كوهي
نور، إذ يقال بأنها تجلب سوء الطالع والموت الأحمر لكل من يلبسها أو يملكها
من الرجال، مثلما تجلب الحظ السعيد والعمر المديد لمن تملكها من النساء.
لا توجد معلومات موثقة عن مصدر تلك الجوهرة بالرغم من أنه يعزى إلى بلاد
السند والهند. وطبقاً لبعض المصادر فإن جوهرة كوهي نور تم العثور عليها
للمرة الأولى منذ خمسة آلاف سنة وهي مذكورة في المخطوطات السنسكريتية
القديمة باسم سياماتاكا. ويقول الهندوس أن هذه الجوهرة كان قد أعطاها
صاحبها جامبافانتا للسيد كريشنا ثم سُرقت من كريشنا أثناء نومه. كما أن
هناك حكاية أخرى تقول أنه تم العثور عليها في قاع أحد الأنهار في الألف
الثالث قبل الميلاد.
وهناك معلومات تقول أن كوهي وُجدت أول ما وجدت في مملكة غولكندا في
حيدرأباد في الهند. ويؤكد سكان جنوب الهند أن الجوهرة هي في الأصل من
منطقتهم. ما من شك أن الجوهرة تم العثور عليها في الهند لأنه لغاية القرن
التاسع عشر كانت الهند المصدر الوحيد للألماس في العالم.
لقد ذكر بابر مؤسس الأسرة المغولية في الهند كوهي نور في مذكراته التي تعود
إلى سنة 1526 للميلاد. ويؤكد بابر أن الجوهرة كانت ضمن مقتنيات الراجا
مالوا في عام 1294 وقدرّ قيمتها آنذاك بما يكفي لإطعام شعوب العالم ليومين
كاملين. كما يذكر بابر أن الراجا ملوا اضطر للتخلي عن الجوهرة لعلاء الدين
الخلجي. بعد ذلك دخلت ضمن مقتنيات سلاطين دلهي وأخيراً وقعت في يد بابر
نفسه سنة 1526 وأصبحت أثمن مقتنياته.
انتقلت كوهي نور إلى الأمبراطور المغولي شاه جيهان الذي أمر ببناء التاج
محل وكانت إحدى الجواهر التي ترصع عرش الطاووس المشهور. أما أورانزيب (ابن
شاه جيهان) فقد وضع والده قيد الإقامة الجبرية في قلعة أكرا. ويقال بأن
أورانزيب وضع الألماسة في إحدى النوافذ بحيث تمكن والده الحبيس من رؤية
التاج محل بمجرد التحديق في الألماسة. وقد بقيت في تلك النافذة إلى أن غزا
الأمبراطور الفارسي نادر شاه الهند في عام 1739 ونهب أكرا ومعها دلهي. وكان
من ضمن منهوباته عرش الطاووس ومعه الألماسة كوهي نور.
يقال أن نادر شاه عندما رآها صرخ (كوهي نور – أي جبل النور) ومنذ ذلك الوقت
أصبحت تعرف بهذا الإسم.
أما بخصوص تقييمها فيقال أنه لو تمكن رجل قوي من قذف خمسة حجارة: واحد
باتجاه الشمال وآخر باتجاه الجنوب، وثالث باتجاه الشرق ورابع باتجاه الغرب
والحجر الأخير إلى فوق وتم ملء الفراغ بين تلك الأحجار بالذهب والألماس
لكان ذلك معادلا لقيمة كوهي نور. وقد تكون عبارة (جوهرة لا تقدر بثمن a gem
of inestimable value) ذات صلة بكوهي نور.
بعد اغتيال نادر شاه سنة 1747 انتقلت الجوهرة ليد أحمد شاه عبدلي الأفغاني.
في عام 1830 تمكن شاه شجاع حاكم أفغانستان المخلوع من الهرب ومعه كوهي
نور. وقد لجأ إلى لاهور الهندية عاصمة ملك السيخ المهراجا رانجيت سينغ وقدم
الجوهرة هدية له.
في عام 1839 أوصى راجنيت سينغ بالجوهرة – وهو على فراش الموت – لمعبد
جاغنات في ولاية أوريسا. ولكن حدث التباس حول كلماته الأخيرة ولم تنفذ
وصيته. في عام 1849 كان العلم البريطاني يرفرف على قلعة لاهور وأصبح
البنجاب أحد الأقاليم الواقعة تحت التاج البريطاني. ومن ضمن بنود المعاهدة
الرسمية للاحتلال وردت العبارة التالية:
(أما بخصوص الجوهرة المعروفة باسم كوهي نور والتي أخذها المهراجا رانجيت
سينغ من شاه شجاع المُلك فيجب وضعها تحت تصرف صاحبة الجلالة ملكة
بريطانيا.)
في عام 1851 تم عرض جواهر التاج البريطاني في لندن وقد ذكر مراسل التايمز
ما يلي:
(إن جوهرة كوهي نور هي بالتأكيد أروع المعروضات على الإطلاق وبلا منازع. إذ
تدافعت الجماهير لمشاهدتها بحيث واجه رجال الأمن صعوبة بالغة في التعامل
معهم. وكان المئات ينتظرون لساعات طويلة لإلقاء نظرة على تلك الجوهرة
الغريبة العجيبة..)
وبالنظر إلى تاريخها الدموي الطويل فهناك العديد من البلدان التي طالبت
وتطالب بها. ففي عام 1976 طلب رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو
من رئيس الوزراء البريطاني جِم كالاهان إعادة كوهي نور إلى باكستان، لكن
المستر كالاهان رفض طلبه. كما أن الهند أيضا طالبت بها، مثلما طالب بها
نظام طالبان في أفغانستان، وكذلك طالبت بها إيران دون جدوى، فجوهرة كوهي
نور ما زالت محفوظة في برج لندن حتى اليوم.
والسلام عليكم