اختلاط الماء بالأرض الهامدة
خلق الله سبحانه وتعالى السموات والأرض وما بينهما بالحق ، وتميزت الأرض باحتوائها نظماً بيئية متعددة .
ومفهوم النظام البيئي هو مساحة الأرض التي تحوي مكونات حية ومكونات غير حية .
وتتفاعل هذه المكونات مع بعضها ، وتنتقل العناصر الكيميائية من المكونات
غير الحية إلى الكائنات الحية وبالعكس . وتتكون الكائنات الحية من عنصرين
أساسيين هما :
الماء : كما في قوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) الأنبياء : 30 .
والتراب : كما ذكر عز وجل : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ) الحج : 5 .
وحبيبات التربة هي مكون غير حي يحفظ الماء ، ويحمل كثيراً من العناصر الغذائية اللازمة للمكونات الحية .
وإن اختلاط الماء بالتربة ــ وخاصة غرويات الطين ــ يعطي مظهراً لبداية
نشاط الكائنات الحية بها على مختلف صورها ، مثلما يحدث لحبيبات التربة
ذاتها .
ويمكن إدراك ذلك من قول الله عز وجل : ( وترى الأرض
هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) الحج :
5 . وقوله تعالى : ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها
الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ) فصلت
: 39 .
ومما تقدم يمكن القول بأن سقوط أو إنزال الماء على
الأرض أو التربة يتسبب عنه حدوث آثار أو آيات ثلاث ، أكد حدوثها الكثير من
علماء الأرض والحياة بمساعدة الأجهزة العلمية دون أدنى شك ، وهي كما ذكرت
في الآيات الكريمة السابقة .
اهتزت وربت :
أولا / اهتزاز الأرض أو التربة : هو حدوث حركة اهتزازية منفصلة للحبيبات المكونة للتربة (1) .
وليس بالطبع تحرك طبقات القشرة الأرضية كتلة واحدة كما يتم أثناء زلزلة الأرض .
ولتفهم حدوث اهتزازات هذه الحبيبات ينبغي الإلمام بشيء عن طبيعتها وصفاتها .
وطبقاً لما يعرف عن تقسيم قوائم التربة ( Soil Texture ) فإن حبيبة الطين يقل قطرها عن ( 00.002) من المليمتر .
وتتكون الحبيبة من طبقات متراصة ( من صفائح السليكا والألومينا ) كل طبقة فوق الأخرى شكل (1) .
وتحمل الحبيبة على سطحها شحنات كهربائية سالبة أو موجبة على حسب نوع الطين
( تنشأ من الزيادة أو النقصان في الشحنات الكهربائية للوحدات الداخلة في
تركيب معدن الطين ) . شكل رقم (2) Baverel al 1972 ).
والطين من الغرويات المعدنية التي تتمتع بكثير من صفات الدقائق الغروية .
ومن ثم فعند نزول الماء على الأرض بكميات مناسبة يؤدي إلى اهتزاز حبيباتها ، ويمكن تفسير ذلك بما يلي :
أ) ظهور الشحنة الكهربائية على سطوح الحبيبات يسبب عدم استقرار لها ،
وحدوث حركات اهتزازية لا يمكن سكونها وثباتها إلا بعد تعادل هذه الشحنات
بأخرى مخالفة لها في الشحنة ( ناتجة عن تأين الأملاح بالتربة ) حيث يتم
تلاقحها على سطح الحبيبة فتستقر وتسكن ، وجعل المخلوقات في أزواج رحمة من
الله تعالى لها للاستقرار والسكون .
ب) ب ــ حدوث حركات واهتزازات لجزيئات التربة ( الغروية ) نتيجة دفع الدقائق الطينية بجزيئات الوسط السائلي ( الماء ) .
ولما كانت حركة جزيئات السائل ليس لها اتجاه فإن الدقيقة الغروية ( حبيبة
الطين ) تهتز وتتحرك من مكانها نتيجة لما تتعرض له من ضربات غير متساوية
على جوانبها المختلفة .
وقد لاحظ العالم روبرت براون ( عام
1243هـ ــ 1828م ) هذه الحركة للدقائق الغروية ، وأطلق عليها اسم الحركة
البراونية ( Brawnion ) حسب مذكرات د . حسين حمدي 1969م لمادة الغرويات .
والوسط السائلي ( الماء ) يكون هو الغالب على الجزء الصلب ، وكلما كان
الوسط السائلي متوفراً بكميات مناسبة أدى ذلك إلى تباعد حبيبات التربة عن
بعضها وسهولة حركتها ما لم يحدث لها تخثر أو تجميع ، فإذا نقص تقاربت
الحبيبات وأبطأت حركتها واهتزازها حتى تتوقف .
وإذا تعادلت الشحنة الكهربائية التي تحملها استقرت وفقدت حركتها واهتزازها .
ولذلك فإن كلمة ( اهتزت ) الواردة في الآية الكريمة هي تأثير مباشر للماء على حبيبات التربة .
وإن اهتزاز حبيبة التربة بتأثير دفع الهواء هو تأثير غير مباشر للماء أيضاً ، فالماء يحل محل الهواء .
وينطلق الهواء من ثقوب محددة إلى الهواء الجوي على هيئة فقاقيع متقطعة ، وقد يدفع حبيبات التربة جانباً في اتجاه معين .
لذا فاهتزاز حبيبة التربة ما هو إلا تأثير مباشر لضربات غير متساوية من
جزيئات الماء على جوانب الحبيبة ، وهي مستمرة متى ما وجد الماء في التربة
.
وهناك تفسيرات تشير إلى أن حبيبات التربة تهتز وتنتفخ
وتظهر أعضاء الجنين فوق سطح التربة ، ويحدث ذلك نتيجة عملية بزوغ وخروج
الريشة أو استطالة السويقة ( تحت الفلقية ) تدفع حبيبات التربة إلى أعلى
مسببة اهتزازاً لحظياً لجزيئات التربة المتماسكة بعد حدوث عملية الإنبات .
ثانياً / الكلمة الكريمة ( ربت ) .
المراد بها انتفخت ونمت وزادت في السمك(3) . وبالتالي زيادة حجم الأرض نتيجة زيادة أحجام حبيباتها .
وكما سبق ذكره من قبل فإن حبيبة الطين تتكون من طبقات متراصة ، بين كل
طبقة وأخرى مسافة بينية تتيح لجزيئات الماء وأيونات العناصر الذائبة فرصة
الدخول فيها ( شكل رقم 3 ) .
وتتشرب الحبيبة بالماء ، والأيونات ( صفة غروية ) فيتمدد بذلك معدن الطين ، ويزيد سمك قطر الحبيبة .
والماء الممسوك على سطح الحبيبات ( الماء الشعري والهيجروسكوبي ) له دور
كبير في زيادة سممك التربة كلها بزيادة المسافة بين الحبيبات .
وهكذا تربو الأرض بتأثير الماء .
ومن الأمثلة العملية في هذا المجال أنه عند وضع وزن معين من الطين في
مخبار مدرج وصب كمية معينة من الماء عليه فإن حجم الطين يزداد بتشربه
للماء ، وينقص بسحب الماء منه بعملية تجفيف التربة ــ ويعتبر طين
المونتومور بلونت من أحسن الأنواع التي لها القدرة على التمدد والانكماش
بتأثير الماء علاوة على امتصاصه العديد من أيونات العناصر الغذائية بكميات
كبيرة .
من هنا يتضح دور وأهمية ذلك بالنسبة للنبات لأن كل
حبيبة لها القدرة على حمل الماء بين طبقاتها ، وحفظ جزيئات الماء على
سطحها ( غلاف يحيط بالحبيبة ) بقوى الجذب الاليكتروستاتيكية والتحام
جزيئات الماء ببعضها عن طريق الروابط الهيدروجينية ( ويقل تأثير هذه القوى
كلما كان جزيء الماء بعيداً عن سطح حبيبة الطين ) . فهي بمثابة وعاء يحفظ
الماء من التسرب إلى اسفل بتأثير الجاذبية الأرضية أو غير ذلك . وهذا يلفت
النظر إلى التفكر في قوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه
في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) المؤمنون : 18 .
وإن
الدراسات العملية والعلمية ، ومراجع علوم الأراضي ، والبيئة النباتية
لتؤكد حدوث الاهتزاز والربو لحبيبات الطين ، وخير دليل على ذلك هو ذلك
التبادل بين الأيونات المتحدة على سطوح الحبيبات ، والأيونات الهيدروجينية
ليستفيد النبات من أيونات العناصر الغذائية لسد احتياجاته في بناء أنسجته
.
أما ربو وانتفاخ الحبيبة فهذا دليل على احتفاظها بكمية من
الماء في التربة، وإن لم يستطع النبات الحصول عليها يبدأ في الذبول ، وقد
يؤدي الأمر إلى موته إذا لم ترو الأرض .
ويكفي أن نعرف أن معدل فقدان الماء بالنتح والتبخر من النبات يفوق كثيراً معدل استخدامه للماء في عملياته الجوية المختلفة .