لأجل ذلك فإن قادة اليهود في إسرائيل يودون بل يسعون لاخراج أمريكا من
حلبة الصراع الدولي والاقليمي كونها لاعب أساسي في تلك الصراعات الدولية
وخاصة من منطقة ما بين الفرات والنيل، وذلك إما بالقضاء على القوة
المركزية الامريكية والعمل على انهيارها، او بإقناعها بالانكفاء على الذات
في حالة العجز ليسهل على خبثاء اليهود تحريك وكلائهم في العالم لنشر
المذاهب الثورية ودعم الحركات الانقلابية ضد أعداء أوليائهم الاشتراكيين
او الرافضة. وما هذه الضربات والنكسات التي منيت بها امريكا في العراق،
وفشلها الى الآن في تحقيق غالب أهدافها، وتراجع قوة عملتها، وارتفاع
مديونيتها، وتردي اوضاعها الاقتصادية تدريجيا، الا أدلة على ما ذهبت إليه.
لذا فإذا كان الأمر كذلك، فان إسرائيل على الرغم من مظاهر الدعم الامريكي
المادي والسياسي لها من جانب، فإنها لا تنظر اليها بعين الصداقة بقدر
النظر إليها بعين العداوة، ذلك بسبب عمل أمريكا على تقويض أخطر مشروع
إسرائيلي او يهودي ـ منبثق من التوراة والتلمود ـ يهدد العالم برمته،
وعملها على أقامة الدولة الفلسطينية، ومنع إسرائيل من التوسع.
هل من الممكن تفكيك الانحياز الامريكي لإسرائيل؟
1- علينا أن ندرك أن معالجة هذا الانحياز الأمريكي الواضح والفاضح
لإسرائيل ممكن إزالته أو تقليله الى حده الادنى متى توفرت الرؤية السديدة
للعلاقات الدولية وطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي، بعيدا عن المواقف
العاطفية والارتجالية المبنية على اقتناعات فكرية ضلالية. ولا يكون أبدا
باقتراف المزيد من الأفعال التي تؤدي إلى زيادة الدعم والعطف الأمريكي
والغربي لها، بل يكون بالأسلوب السياسي القائم على فقة الموازنات في
الشريعة الاسلامية، بلا إفراط ولا تفريط. والمطالبة بممارسة الحياة
الديموقراطية بلا حرج أو تردد، حيث تعثر تطبيق احكام الاسلام وخاصة في
الدول الديكاتورية الاشتراكية، والبعد عن سياسة استخدام العنف والإرهاب
وتطبيق او دعم السياسات الصهيونية بالمتدثرة بثوب الاشتراكية، وأن نسعى
إلى العمل لإيجاد تيار سياسي جديد يقوم بعلاقاته مع الغرب على فهم الإسلام
والواقع أولا، وإعمال القواعد الأصولية للشريعة الإسلامية، وفقه الموازنات
والمصالح والمفاسد ثانيا، دون شطط ولا إفراط ولا تفريط. علما أن تحييد
أمريكا والغرب في صراعنا مع إسرائيل قابل للتطبيق إذا توفرت الشروط وانتفت
الموانع. وقد قطعنا جزءا من ذلك في الاتجاه الصحيح في السنوات الأخيرة بعد
البدء بعملية السلام. قبل أن تخرج فئة من الشباب المتحمس لنصرة دينها،
ومعها الجهل في الأحكام الشرعية والجهل في الواقع، فاستخدمت الأساليب
المحرمة الموروثة عن الشيوعية، فأعادتنا إلى بدايات الطريق من جديد،
فخدموا بذلك إسرائيل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
2- ومن الاسباب المهمة لتفكيك الانحياز الأمريكي لإسرائيل، عدم ترك العرب
والمسلمين اللوبي الإسرائيلي بالانفراد بالقرار السياسي الأمريكي وتوجيهه
لما يوافق أهدافهم وأطماعهم التوسعية من جهة، وأن يعززوا علاقاتهم
بأمريكا، من جهة أخرى، باعتبار ذلك (خيار اقل الضررين وأدنى المفسدتين)،
وهذا الأمر يقع ضمن الممكن عقلا لا المستحيل، وله طريق واضح جلي ظنه من
ظنه أنه طريق الخيانة والولاء للمستعمر. ولا يزال فريق من العرب والمسلمين
يتمسكون به وعلى رأسهم السعودية ومصر والاردن، على الرغم مما يصيبهم بسببه
من أذى ومن سمعة سيئة لدى الغثاء. هذا ويجب العلم بأن معاداة أمريكا لا
تصب في مصلحتنا، بل في مصلحة إسرائيل قولا واحدا.
فلماذا إذن لم تكن مجمل أعمالنا تصب في مصالح امتنا ؟؟
قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً))
فلما لم تكن مجمل أعمال الدول الاشتراكية والمنظمات الثورية الاشتراكية
الاخرى والجماعات الاسلامية المتأثرة بها تصب في مصلحة الأمة دل ذلك على
أن أقوالها غير سديدة، وبما أن الأقوال تعبير عن الاقتناعات، لذا لابد من
تصحيح المفاهيم والتصورات أولا.
فإلى تقوى الله والعمل الصالح والى تزكية النفوس من أدرانها ، والى فهم
أعمق للواقع قبل أن نندم في يوم لا ينفع فيه الندم . فهل من معتبر؟؟