أطــــــــــــوار الروح الســـــــــــــبعة
لقد تساءل الإنسان في مختلف مراحل عصوره عن هذه الكلمه (الروح) ونحن هنا
لسنا في صدد الحديث عن الروح وماهيتها وقدراتها وأبعادها، إنما نحن بصدد
الحديث عن أطوار تلك الروح، والمراحل التي تمر بها، ولكن لن يتسنى لى
الحديث عن أطوار الروح إذا لم اضع بين يدي القارئ حقيقة مبسطة عن الروح،
فلقد إنطلق كثير من الناس في الحديث عن الروح، ومنهم مفكرين وعالمين في
علوم الأديان، ومن أخذتهم أبواب الحكمة والفلسفة وقادتهم للبحث في علوم
اللامنظور.
وقد توصلوا الى حقائق كثيرة فمنهم من أتاح لنفسه ولأسباب عقله بالإنطلاق
وراء تلك العلوم، وأخذ من بين يديه جميع الأسباب التي تقوده للوصول إلى
ذلك العالم ، وقد تحدث الله سبحانه وتعالى عن الروح في هذه الآية الكريمة
حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
" ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" الآية (٨٥) سورة الإسراء
يتبين لنا من خلال هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد خص علم الروح بشقين من العلم:
أ- علم خاص بالله سبحانه وتعالى وهو من الأمور التي إختص الله سبحانه وتعالى العلم فيها لنفسه.
ب- علم أقرالله به بين عباده وأطلعنا عليه، حيث أخبرنا عن أحوال الروح في
الحياة الدنيا وبعض أحوالها في عالم البرزخ وكذلك بعض أحوالها في دار
القرار، وعمليات انطلاقاتها في المنام، وغير ذلك من الأمور الكثيرة،
وعندما ننظر بدقة وتمعن في الآية الكريمة : " وما أوتيتم من العلم إلا
قليلا" نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بقلة هذا العلم بيننا وليس
بقلة العالمين فيه
فالروح هيئة شفافة (غير مرئية) تسكن في هذا الجسد وتعمل على إمداده
بالطاقة فهي نقطة الطاقة المركزية فيه وبدونها لايستطيع الجسد أن يأتي
بأية حركة، ويعتقد البعض أن هذه الروح تبقى داخل الجسد طوال ال ٢٤ ساعة من
يومه، بينما حقيقة الأمر أن الروح تفارق الجسد خلال فترات معينه مثل
النوم، حيث تكون مفارقتها له ليست مفارقة كلية إنما متصلة بحبل أثيري
يربطها به، ولقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بذلك حيث قال:
" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى
عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"
الآية (٤٢) سورة الزمر
وللروح قدرات للإنطلاق تفوق الخيال، وقدرة على الإبصار تفوق الحدود
المادية، ولايكتشفها إلا من قام بالعمل على إدراكها والمثابرة بالإلمام
بعلومها.
فالأساس في الإنسان هي الروح وليس الجسد، وحياة الإنسان وعمره ليسا
مقرونان بالحياة الدنيا، فالإنسان في حقيقة الأمر خالد بخلود الروح، وليس
بخلود الحياة الدنيا، فإما إلى جنة وإما إلى نار.
وبعد أن تكلمنا بإيجاز بسيط عن الروح، فيجب أن نعلم أن الروح خلال مسيرتها
تطرق أطوارا سبعة، ولكل طور من هذه الأطوار عالمه وكينونته الخاصة به،
الطور الاول من اطوار الروح (طور عالم الذر)
________________________
يعتقد البعض أن بداية خلق الروح تكون في الجنين في رحم أمه، فنقول هنا أن
في هذا الأمر ليس خلقا للروح في الجنين، إنما بث الروح في الجنين، وشتان
ما بين خلق الروح وبثها، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى متى تم خلق الروح،
حيث قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين"
الاية (١٧٢) سورة الأعراف
فيتبين لنا من قوله سبحانه وتعالى، وحسب ما أجمع المفسرين والعلماء على
تفسير هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق آدم عليه السلام مسح على
ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد، وهذا الإستنطاق والإشهاد إنما
كان لأرواحنا، إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة، وجعل فيهم حقيقة الفطرة
بالولاء إليه هو الخالق وهم المخلوقين، وكانوا أولئك "عالم الذر".
إذن عندما تتساءل عقولنا عن تلك الحقائق ما علينا إلا أن نترك لعقولنا
وقلوبنا العنان لتمضي مفكره ومتدبره في قوله سبحانه وتعالى من خلال الاية
الكريمة لتجد في النهاية ضالتها.
ويتبين لنا أيضا في نهاية كلامنا عن الطور الأول، أن الروح قد خلقت وجهزت
للإنطلاق في أطوارها على فترات ومراحل، وكانت الروح في هذا الطور على
ماهيتها وحقيقتها المجرده من غير شيء يحد من طاقاتها أو قدراتها، ولكنها
كانت تنتظر عند ربها ليبثها ويقرها في الطور الثاني.