يحتفل المسلمون كل عام
بمناسبة نبوية كريمة طيبة سجلها الله تعالى في كتابه وسمى بها إحدى سوره (سورة
الإسراء)، هي ليلة الإسراء والمعراج، ليلة 27 من رجب، فالإسراء هو الرحلة الأرضية
التي هيأها الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى القدس، من المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى، رحلة أرضية ليلية.
أما المعراج فهي رحلة من الأرض إلى السماء، من
القدس إلى السموات العلا، إلى مستو لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى
حيث يعلم الله عز وجل، هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته (صلى الله عليه
وسلم) وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى، من قريش ثم قال
علي أن أجد أرضاً أخصب من هذه الأرض عند ثقيف، عند أهل الطائف، فوجد منهم ما لا
تحمد عقباه، ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهائهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة
حتى أدموا قدميه (صلى الله عليه وسلم)، ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن
يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه، خرج عليه الصلاة والسلام دامي
القدمين من الطائف ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكن الكلام الذي
جرح قلبه، ولهذا ناجى ربه (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي
وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من
تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي،
ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا
والآخرة، أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك)
وبعث الله إليه ملك الجبال
يقول إن شئت أن أطبق عليهم الجبلين، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) أبى ذلك، وقال إني
لأرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، اللهم اهدي قومي
فإنهم لا يعلمون، ثم هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون
ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى، تعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان
قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدوك فإن
الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إماماً لهم، كان هذا تعويضاً
وتكريماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) منه عز وجل، وتهيئة له للمرحلة القادمة لما
بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه (صلى الله عليه وسلم)
العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة، ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته
العالمية، الجبهة الوثنية في جزيرة العرب، والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار
والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة والتي لا ترقب في مؤمن ذمة،
والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية، والتي تتمثل في
دولة الروم البيزنطية، كان لابد أن يتهيأ (صلى الله عليه وسلم) لهذه المرحلة الضخمة
المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله
أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء، قال الله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
(الاسراء:1)
حتى يرى آيات الله في هذا الكون وفي السماء
أيضاً كما قال الله تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى(17) لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)(النجم:18)
أراد الله أن يريه هذه الآيات من هذه الآيات الكبرى حتى يقوى قلبه ويصلب عوده،
وتشتد إرادته في مواجهة الكفر بأنواعه وضلالاته.
فرض
الصلاة
كان الإسراء والمعراج
تكريماً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان تسلية لرسول الله (صلى الله عليه
وسلم) عما أصابه من قومه في مكة وفي الطائف، وكان كذلك لشيء مهم جديد في حياة
المسلمين وله أثره في حياتهم المستقبلية، هو فرض الصلاة، فرض الله في هذه الليلة
الصلاة، أراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق، محمد (صلى الله عليه
وسلم) ليسري به من المسجد الأقصى ثم يعرج به إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى،
ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع
المسلم، هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً، هذه الفريضة فرضت أول
ما فرضت خمسين صلاة، ثم مازال النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأل ربه التخفيف بإشارة
أخيه موسى حتى خفف الله عنهم هذه الصلوات إلى خمس وقال هي في العمل خمس وفي الأجر
خمسون، كأن الرسول جاء معه بهدية من تلك الرحلة العظيمة، هذه الهدية لكل مسلم هي
الصلاة ليعبد بها الله تبارك وتعالى، وينبغي أن نذكِّر بهذه الصلاة خصوصاً أن
الصلاة لها ارتباط بالمسجد الأقصى فهو القبلة الأولى للمسلمين، فقد ظل المسلمون
يصلون إلى المسجد الأقصى ثلاث سنوات من البعثة، ثم أمرهم الله أن يولوا وجوههم شطر
المسجد الحرام (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وقد أثار اليهود في المدينة ضجة
حول هذا الأمر (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)
وأشاعوا أن صلاة المسلمين في تلك المدة كانت باطلة وضاع أجرها وضاع أثرها ورد الله
عليهم ذلك وقال (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن
ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع
إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم)، (إيمانكم) أي صلاتكم، عبر عن الصلاة بالإيمان
لأنها معبرة عن الإيمان، فالصلاة من بقايا تلك الليلة
المباركة.
التذكير
بقضية فلسطين
هذه المناسبة تفرض علينا أن
نتذكر قضية المسلمين الأولى في هذا العصر، قضية القدس وقضية
المسجد الأقصى وقضية فلسطين بصفة عامة، وجدير بنا نحن أمة الإسلام ألا ننسى هذه القضية وأن
يتمحور حولها توجهنا وتصميمنا وسعينا المشترك لإنقاذ الأقصى، وإنقاذ
القدس.
قصة الإسراء والمعراج تدلنا
على رباط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام، وأن كل منهما يمثل قدسية معينة، من أجل
هذا أصبحت القدس العاصمة الدينية الثالثة في الإسلام. ليشعر الإنسان المسلم أن لكلا
المسجدين قدسيته، فالمسجد الحرام ابتدأ الإسراء منه، والمسجد الأقصى انتهى الإسراء
إليه، فمن فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام، فلو فرط في منتهى
الإسراء يمكن أن يفرط في مبتدأ الإسراء
وعلى هذا لا يجوز
للمسلمين أن يسمحوا لأحد بالعدوان على ديارهم وهذه جزء من دار الإسلام فلا يجوز
للمسلمين أن يفرطوا في ديارهم لغيرهم، والمعروف أنه إذا دخل العدو بلداً من بلدان
المسلمين أصبح فرض عين على أهلها أن يقاوموا المحتل الغاصب الذي احتل دارهم، وقال
العلماء إن هذا الفرض يشمل الرجال والنساء، يخرج الولد بغير إذن أبيه، وتخرج المرأة
بغير إذن زوجها، ويخرج المرؤوس بغير إذن رئيسه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق، الحقوق الفردية تسقط أمام حق الجماعة وحق الأمة، وعلى جيرانهم أن يساعدوهم
وعلى المسلمين أن يمدوهم بكل ما يحتاجون إليه حسب الحاجة، إلى أن يشمل هذا الأمر أو
الفرض جميع المسلمين ولاشك أن على المسلمين جميعاً في أنحاء العالم فرض أن يحرروا
القدس وأن يدافعوا عن القدس، القدس ليست ملك للفلسطينيين وحدهم، وفلسطين ليست ملك
الفلسطينيين وحدهم بل هي ملك المسلمين، المسجد الأقصى ملك كل مسلم ولذلك لو أن
الفلسطينيين تنازلوا أو تقاعسوا والله يجب أن نقاوم الفلسطينيين
أنفسهم.