المقدمة :
لقد
عرفت عمان منذ القدم نظام الأمامة فبعد سقوط الدولة الاموية في عام 132من
هجرة المصطفى صلى عليه وسلم كان ظهور أول إمامة بعمان وتم تنصيب الجلندى
بن مسعود كأول أمام بعمان وعلى أمتداد التاريخ كان نظام الأمامة يظهر
ويختفي في عمان وكان له الدور البارز والأهم على الساحة العمانية فتم
تنصيب الأئمة العظام وقامت على أيديهم دول شهد التاريخ بعظمها وحضارتها
وتقدمها
وأتساعها حتى بلغت حدود الهند وسواحل شرق أفريقيا وسواحل أيران
وحتى البحرين وأمثال تلك الدول دولة النباهنة واليعاربة وألبو سعيد وكان
منهم أأئمة ضرب بهم المثل بعدلهم وهممهم أمثال : الجلندى بن مسعود والوارث
بن كعب وعمر بن الخطاب الخروصيان وناصر بن مرشد وسلطان بن سيف اليعربيان
واحمد بن سعيد وسعيد بن سلطان الالبوسعيديان ولقد تمت مبايعة كل هؤلاء
الأئمة بالشورى من قبل العلماء والشيوخ وأعيان القبائل وكافة توابعهم من
الشعب .
ولقد قامت الإمامة مرة أخرى في العصور المتأخرة من التاريخ
عندما بايع العمانيون الإمام عزان بن قيس الألبوسعيدي عام 1868 ألى حين
مقتله على يد البغاة عام 1871ثم أنقطعت حتى ظهور العلامة المحقق الشيخ
الجليل نور الدين السالمي الذي لم يألوا جهدا مستطاع حتى يقيم أود هذا
الدين ويقوم أعوجاجه فقد ألتقى بالشيوخ وكاتبهم لكي يعلنوا إمامة الظهور
بعمان فتلقى أستحسان البعض وأعتذر البعض ولكن وعدوه خيرا فقام بزيارة من
بلده القابل بعد استقراره بها إلى تنوف حيث التقى بالشيخ حمير بن ناصر
النبهاني شيخ مشائخ بني ريام فأبدى رغبة الشيخ في أعادة نظام الإمامة الى
القطر العماني فأبدى الشيخ حمير أستعداده للقيام بأعباء التجهيز لقيام
الإمامة فقام الأمام الشيخ نور الدين السالمي بتنصيب الإمام سالم بن راشد
الخروصي بعد رفض شديد من قبله وأصرار قاطع من الشيخ نور الدين السالمي وقد
أمر تلميذه الشيخ أبو زيد الريامي بسل السيف والوقوف عند رأس سالم لقتله
إذا رفض الإمامة لأن في ذلك تشتيت لرأي الأمة وأضعاف قوتها فقبل الأمام
سالم ذلك مرغما والدموع تسيل من عينيه لعظم تحمل أعباء هذه المسؤلية وتم
الأتفاق والبيعة في تنوف عام 1913 م
وأتفقوا مع الشيخ حمير على رده
للمظالم وتجهيزه ألف مقاتل في حالة طلب منه ذلك على أن يبقى له بيت المال
بمعقله بتنوف وسيق بالجبل الأخضر وأعلن توبته على يد الشيخ نور الدين وقد
قام الإمام بإصلاحات واسعة وضم معظم ولايات عمان في الإمامة وحارب البغاة
وعمر البلاد أقام العدل ونشر العلم والأمان
ولقد توفي مقتولا إغتيالا
في عام 1919على يد بدوي جاهل أغراه سفهاء قوم بقتله وقد تم عقد الإمامة من
بعده على الإمام محمد بن عبدالله الخليلي الخروصي فقام بالبيعة والإمامة
خير قيام فخاض الحروب وقام بالإصلاحات العامة وعقد اتفاقيات مع حكومة
سلطنة مسقط والبريطانيين ومن بينها إتفاقية السيب في عام 1920 وأنقسمت
عمان بسببها إلى عمان الداخل وحكومة مسقط وتشمل بعض المناطق الساحلية حيث
إن الإمامة اضطرت لتوقيعها بسبب الحصار الإقتصادي الذي فرضته الحكومة
البريطانية على صادرات عمان الداخل وفي عام 1937 منح السلطان سعيد بن
تيمور أمتياز لشركة النفط العراقية البريطانية للتنقيب عن النفط.
وقد
وبلغت دولة الإمامة أوجها في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي من حيث
التوسع والعمران والقوة فقد دخلت جعلان نطاق نفوذ الإمامة عام 1944
وتوفي
رضي الله عنه عام 1954بعد عمر حافل بالإنجازات وخلف مقام منصبه الإمام
غالب بن علي الهنائي الذي نال تأييد أغلبية العمانيين بتأييد من الشيخيين
سليمان بن حمير النبهاني وأخيه طالب بن علي الهنائي وهنا تبدأ قصتنا مع
حرب الجبل :
فبعد مبايعة ألإمام غالب الهنائي فقد قام بزيارة شعبه
وشيوخ القبائل وكون علاقات قوية مع معظم القبائل وانشأ قوات خاصة تمركزت
بنزوى ومعاقل الإمامة الرئيسية حصلت مناوشات بين الإمام وحكومة مسقط
بزعامة السلطان سعيد بن تيمور
ومنشأ ذلك كله قوى الإستعمار البريطاني
حيث تم الإتفاق مع شركة عراقية بريطانية للتنقيب عن النفط في صحاري فهود
بعمان في منطقة هي من توابع دولة الإمامة وتقع تحت سيطرة نفوذها ويعد هذا
الأمر خرقا لأتفاقية السيب وأنشأت الشركة جيش لحماية بعثات التنقيب وسمي
بأسم ( مشاة مسقط وعمان) وقد أدى ذلك إلى بعض المناوشات بين جنود الإمام
والحكومة ومن تابعها من الطامعين البريطانيين وكان جيش الحكومة في مسقط
يتكون من العمانيين وبعضا من البلوش الذين أتي بهم من مكران وكذلك يضم كلا
من مرتزقة الهنود وعلوج البريطانيين وبعد عام من تكوين الجيش قام بالسيطرة
على ولاية عبري بالتعاون مع قوات السلطان و كانت عبري تحت نفوذ الإمامة
فأشتعل فتيل الحرب الذي يحشوه الإستعمار بالبارود ويصب حوله الزيت وذلك
عام 1954 وقد قامت الحكومة بشن الحرب ضد الإمامة بقصد الأطاحة بها فقد
قامت بقصف المناطق التابعة لدولة إمامة عمان في كلا من نزوى والجبل الأخضر
وكثيرا من مناطق الإمامة كإزكي وبهلا ومناطق نائية من نخل ففي عام 1955
تحركت قوات السلطان نحو نزوى فإحتلتها وعاثت بها الفساد وثم تحركت فاحتلت
الرستاق بعد مقاومة عنيفة من قبل الأبطال المجاهدين وتحرك السلطان سعيد
إلى نزوى وأعتصم المجاهدين بالجبل الأخضر جبل بني ريام ويقال له جبل رضوى
ويقال أن رضوى هذا نبي دفن فيه وقد أفتتحت الإمامة مكتب بمصر في القاهرة
سمي بأسم ( مكتب إمامة عمان) ومركزا في الدمام وقد كان علم الإمامة يتكون
من اللون الأبيض والأية الكريمة"نصر من الله وفتح قريب" يعلوها سيف.
هذا
وقد أعلن مجلس جامعة الدول العربية عام 1955 (بأنه يرحب بإمامة عمان عضوا
في الجامعة) إلا إنه لم يتخذ خطوة جديدة في الموضوع وتطورت الأمور بسرعة
وقد كانت الإمامة تحظى بتأييد الجامعة العربية والسعودية
في أوائل سنة 1957 كان الشيخ طالب بن علي الهنائي أخو الإمام غالب كان يقوم بتزويد الإمامة بالسلاح من السعودية والرجال العمانيين
اللاجئيين
وفي شهر يونيو من نفس العام قامت بعض قوات بإستعادة نزوى من السلطان
بسهولة ورفرف علم الإمامة في جميع المقاطعات التابعة لها وأعلن الإمام أنه
يخوض حربا لإستعادة ما أحتل من مناطق نفوذه سابقا غير أن السلطان عاد
فأحتل نزوى مرة ثانية وبقيت الحرب في الجبل الأخضر فقط حيث أن القوات
البريطانية قامت بقصفه في أواخر عام1957 حتى أوائل عام 1959 بحيث أن الحرب
أستمرت ثمانية عشرا شهرا في الجبل وحدها فأستخدمت الطائرات التابعة لسلاح
الجو الملكي البريطاني فأستخدمت قنابل ضخمة وقوية وقد تكون محرمة دوليا
بالمقابل أن المجاهدين يستخدموا السلاح التقليدي (الصمع) وقد رأيت بعضا
منها مكتوب عليها بالخط العربي هذه العبارة (مالي غالي وزاهي للضرائب)
وبالرغم من ذلك فقد أسقطوا عددا من الطائرات غير قليل
وقد قصفت
الطائرات أي شيء من مباني ومزارع وأشجار وقد ألقت على الأهالي اجساما
شكلها مثل القلم فأخذوا يلتقطونها فتنفجر بهم وقد أخبرت أن أمراة مع طفلها
قامت الطائرات بقصفها وقتلها وقد كانت أستراتيجية المجاهدين في الحرب
رائعة فقاموا بمسك مداخل وطرق الجبل بإحكام وقاموا بطريقة حرب العصابات
فتوزعوا في أنحاء الجبل وأعاليه ومن ضمن خططهم الجميلة أنهم كان يقوموا
بإشعال النار في الليل في أماكن خالية في السيوح لإيهام الطائرات بوجود
أحد هناك فتقوم بإفراغ ذخيرتها هناك وكانوا ينهون عن إشعال النار في الليل
في المناطق السكنية وقامت الطائرات بنسف منزل الإمام ببلد سيت ببهلاء وقد
أسقطت احد الجنود ببندقية تقليدية طائرة تحطمت مات قائدها وبقايها إلى
الأن في وادي العين بجنب الشارع المؤدي للعين مواجهة اللفة وبجنبها قبر
قائدها ويتحدث أحد مشاركي الحرب أن ثلاثة عشر رجلا من بني ريام كانوا قد
تمركزوا في موقع من الجبل وكان العمانيين لا يعرفون أنذاك الطائرة وبعد
حين من الزمن ظهرت لهم فأندهشوا وأحتاروا من هذا الكائن الغريب وحاولوا
إسقاطها إلا أن الجنود قصفوهم وقتلوهم جميعا ويمكن لمن قد ذهب إلى الجبل
أن يرى بقايا شظايا القنابل المتناثرة وقد تم قريبا العثور على بعض
القنابل التي لم تنفجر بعد ففجرت بعضها وبعضها لم تفجر وقد وجدت واحدة إذا
فجرت ستسبب أضرارا فتم بناء سورا عليها وكان نظام المحاربين المناوبة حيث
يحاربون أسبوعين ويرتاحون أسبوعين وقد جلب جنود الإمامة مدفع مضاد
للطائرات لكن لم يعرفوا كيف يستخدموه وقد كان أغلب واردات الإمام من
السلاح من السعودية وقد حدثت قصص كثيرة تدل على صمود الجنود وذكاء
المجاهدين فمنها أن جندي عماني أسرته القوات البريطانية فقالوا له أما أن
تخبرنا بطرق الجبل أو نقتلك فقال سأخبركم بالطرق فذهب بهم في طريق نائية
وعرة وأبطأ السير حتى أظلم الليل فقال لهم نبيت هنا والصباح نواصل السير
فلما أنتصف الليل ذهب عنهم وتركهم فأستيقظوا صباحا فلم يجدوه فماتوا جميعا
منهم من سقط ومنهم من مات جوعا حتم أنفه
ومما يحكى عن جنود المجاهدين
أن جندي أسر من قبل جنديين بريطانيين وسلم سلاحه وكان عنده مسدس قد خبأه
في حذائه فلما رأهما غافلين أخرجه فقتلهما وهرب وقد تكبدت القوات
البريطانية خسائر مادية وخسائر بشرية وقد تمكن الأحتلال من إحتلال
الجبل
بسبب خيانة في جبهة حيث أنهم أتفقوا مع الإحتلال مقابل بعض المال بأن
يخلوا لهم منطقة فأخلوا لهم منطقة وعرة ظنا منهم أنهم لن يستطيعوا عبورها
فقام الجنود البريطانيين بإنزال مظلي متبوع بإسناد جوي وتمكنوا من السيطرة
على الجبل وأستمرت حرب العصابات لفترة من الزمن فقامت قوات الإحتلال بزرع
الألغام والقناصة أما الإمام فقد غادر إلى السعودية وبالتحديد في الدمام
ولا يزال بها إلى الأن ومعه أخوه طالب ومحمد شيبة السالمي وسليمان بن حمير
النبهاني وصالح بن عيسى الحارثي وكثيرا من العمانيين وقد رجع بعضهم بعد
تولي السلطان قابوس حفظه الله إلى عمان والفرحة والشوق تغمر قلوبهم بعد
غربة صعبة
وقد بلغ شهداء العمان أكثر من ألفين شهيد رحمهم الله وتغمد أرواحهم الجنان
المراجع:
1) نهضة الأعيان بحرية عمان ، محمد شيبة السالمي.
2) عمان منذ 1856 مسيرا ومصيرا ، روبرت جيران لاندن
..
منقول بتصرف