أسد الدين شيركوه
توفي 564 هـ
أبو الحارث شيركوه بن شاذي بن مروان الملقب الملك المنصور أسد الدين عم السلطان صلاح الدين.
كان شاور قد وصل إلى الشام يستنجد بنور الدين في سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
وذكر بهاء الدين بن شداد أن ذلك كان في سنة ثمان وخمسين، وأنهم وصلوا إلى مصر
في الثاني من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، فسير معه جماعة من عسكره،
وجعل مقدمهم أسد الدين شيركوه، وقدموا مصر، وغدر بهم شاور ولم يف بما
وعدهم به، فعادوا إلى دمشق، وكان رحيلهم عن مصر في السابع من ذي الحجة من
السنة المذكورة. ثم إنه عاد إلى مصر، وكان توجهه إليها في شهر ربيع الول
من سنة اثنتين وستين، لأنه طمع في ملكها في الدفعة الأولى، وسلك طريق وادي
الغزلان، وخرج عند إطفيح، وكانت في تلك الدفعة وقعة البابين عند
الأشمونين، وتوجه السلطان صلاح الدين إلى الاسكندرية واحتمى بها، وحاصره شاور وعسكر مصر.
ثم رجع أسد الدين من الصعيد إلى بلبيس، وجرى الصلح بينه وبين المصريين،
وسيروا له صلاح الدين، وعاد إلى الشام، ولما وصل الفرنج إلى بلبيس وملكوها
وقتلوا أهلها في سنة أربع وستين، سيروا إلى أسد الدين وطلبوه ومنوه ودخلوا
في مرضاته لأن ينجدهم، فمضى إليهم وطرد الفرنج عنهم. وكان وصوله إلى مصر
في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وعزم شاور على قتله وقتل الأمراء
الكبار الذين معه، فبادروه وقتلوه.
تولى أسد الدين الوزارة يوم الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع
وستين وخمسمائة، وأقام بها شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة يوم السبت
الثاني والعشرين، وقال الروحي: يوم الأحد الثالث والعشرين من جمادى الآخرة
سنة أربع وستين وخمسمائة بالقاهرة، ودفن بها، ثم نقل إلى مدينة الرسول صلى
الله عليه وسلم بعد مدة بوصية منه، وتولى مكانه صلاح الدين.
قال ابن شداد في "سيرة صلاح الدين": إن أسد الدين كان كثير الأكل، شديد
المواظبة على تناول اللحوم الغليظة، تتواتر عليه التخم والخوانيق وينجو
منها بعد مقاساة شدة عظيمة، فأخذه مرض شديد، واعتراه خانوق عظيم فقتله ولم
يخلف ولداً سوى ناصر الدين محمد بن شيركوه الملقب الملك القاهر.
ولما مات أسد الدين أخذ نور الدين حمص
منهم في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة. فلما ملك صلاح الدين الشام أعطى حمص
لناصر الدين، ولم يزل ملكها حتى توفي يوم عرفة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
ونقلته زوجته بنت عمه ست الشام بنت أيوب إلى تربتها بمدرستها بدمشق ظاهر
البلدن ودفنته عند أخيها شمس الدولة توران شاه بن أيوب.
وشيركوه: لفظ عجمي تفسيره بالعربي أسد الجبل، فشير: أسد، وكوه: جبل.
وحج شيركوه في سنة خمس وخمسين
وخمسمائة من دمشق على طريق تيماء وخيبر، وفي تلك السنة حج زين الدين علي
بن بكتكين على طريق العراق، واجتمع بالخليفة.