ِعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله
277-350 هــ
ابن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن سلطان الأندلس
المدعو أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو المطرف الأموي المرواني.
كان أبوه محمد ولي عهد والده عبد الله بن محمد فقتله أخوه أبو القاسم المطرف
فقتله أبوهما به.
ففي سنة سبع وسبعين ومئتين قتل محمد وله سبع وعشرون سنة وتأخر قتل المطرف إلى
رمضان سنة اثنتين ومئتين ولما قتل محمد كان لعبد الرحمن هذا عشرون يوماً. وولي
الخلافة بعد جده.
قال ابن حزم: كانت خلافته من المستطرف لأنه كان شاباً وبالحضرة جماعة من أعمامه
وأعمام أبيه فلم يعترض معترض عليه. واستمر له الأمر وكان شهماً صارماً.
وكل من تقدم من آبائه لم يتسم أحد فهم بإمرة المؤمنين وإنما كانوا يخاطبون
بالإمارة فقط وفعل مثلهم عبد الرحمن إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته فلما
بلغه ضعف الخلافة بالعراق وظهور الشيعة العبيدية بالقيروان رأى أنه أحق بإمرة
المؤمنين ولم يزل منذ ولي الأندلس يستنزل المتغلبين حتى صارت المملكة كلها في طاعته
وأكثر بلاد العدوة وأخاف ملوك الطوائف حوله.
وابتدأ ببناء مدينة الزهراء في أول سنة خمس وعشرين وثلاث مئة فكان يقسم دخل
مملكته أثلاثاً: فثلث يرصده للجند وثلث يدخره في بيت المال وثلث ينفقه في
الزهراء.
وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربع مئة ألف وثمانين ألفاً ومن السوق
والمستخلص سبع مئة ألف دينار وخمسة وستون ألفاً.
ذكر ابن أبي الفياض في تاريخه قال: أخبرت أنه وجد في تاريخ الناصر أيام السرور
التي صفت له فعدت فكانت أربعة عشر يوماً وقد ملك خمسين سنة ونصفاً قال اليسع بن
حزم: نظر أهل الحل والعقد من يقوم بأمر الإسلام فما وجدوا في شباب بني أمية من يصلح
للأمر إلا عبد الرحمن بن محمد فبايعوه وطلب منهم المال فلم يجده وطلب العدد فلم
يجدها فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن حفصون فوجده مجتازاً لوادي التفاح
ومع أكثر من عشرين ألف فارس - كذا نقل اليسع وما أحسب أن ابن حفصون بقي إلى هذا
التاريخ - قال: فهزمه وأفلت ابن حفصون في نفر يسير فتحصن بحصن مبشر.
ولم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج ومهد البلاد ووضع العدل وكثر الأمن ثم
بعث جيشاً إلى المغرب فغزا برغواطة بناحية سلا ولم تزل كلمته نافذة وسجلماسة وجميع
بلاد القبلة وقتل ابن حفصون وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالاً وصفا وجهه
للروم وشن الغارات على العدو وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة ودوخهم ووضع
عليهم الخراج ودانت له ملوكها فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء
الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة. وساق إليها أنهاراً ونقب لها الجبل
وأنشأها مدورة وعدة أبراجها ثلاث مئة برج وشرفاتها من حجر واحد وقسمها أثلاثاً:
فالثلث المسند إلى الجبل قصوره والثلث الثاني دور المماليك والخدم وكانوا اثني عشر
ألفاً بمناطق الذهب يركبون لركوبه والثلث الثالث بساتين تحت القصور وعمل مجلساً
مشرفاً على البساتين صفح عمده بالذهب ورصعه بالياقوت والزمرد واللؤلؤ وفرشه بمنقوش
الرخام وصنع قدامه بحرة مستديرة ملأها زئبقاً فكانت النور ينعكس منه إلى المجلس
فدخل عليه قاضيه منذر بن سعيد البلوطي فوقف وقرأ: "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة
لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة..." الآيتين: الزخرف: 33،34. فقال:
وعظت أبا الحكم ثم قام عن المجلس وأمر بنزع الذهب والجواهر.
وقال عبد الواحد المراكشي في تاريخه: اتسعت مملكة الناصر وحكم على أقطار الأندلس
وملك طنجة وسبتة وغيرهما من بلاد العدوة وكانت أيامه كلها حروباً وعاش المسلمون في
آثاره الحميدة آمنين برهة.
ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة بألف بناء في اليوم مع البناء
اثنا عشر فاعلاً.
حكى أبو الحسن الصفار أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما دخل الزهراء وقد خربت
بالنيران والهدم من تسعين سنة قبل دخوله إليها وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة
وإشبيلية ونظر آثاراً تشهد على محاسنها فقال: الذي بنى هذه كان سفيهاً فقال أبو
مروان بن سراج: كيف يكون سفيهاً وإحدى كرائمه أخرجت مالاً في فداء أسارى في أيامه
فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يفدى.
توفي الناصر في رمضان سنة خمسين وثلاث مئة .
سير أعلام النبلاء