بدء حسابات الجنين
عن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الصادق المصدوق
قال : " إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك
علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يُرسَل المَلَك فينفخ
فيه الروح ، ويؤمَر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، و أجله ، و عمله ، و شقي أو
سعيد . فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون
بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ،
و إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق
عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " رواه الشيخان البخاري و مسلم
و اللفظ له في كتاب القدر 2643
فقوله : " إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن
أمه " يدل على أن هناك عملية جمع للخلق ، والخلق نصفان : نصف تحمله النطفة
المؤنثة ، و نصف تحمله النطفة المذكرة على صبغياتهما ( كروموسوماتهما ) ،
و تبدأ عملية الجمع حين تبدأ النطفتان التحرك باتجاه بعضهما البعض ، و ما
يجري في خصية الرجل خارج عن نص الحديث ، أما ما يجري في بطن المرأة فداخل
في الحساب ، إذ نبدأ حساب الأربعينات اعتباراً من أول الدورة الشهرية ، أي
من أول يوم من آخر طَمث _ حيض _ رأته المرأة ، لأنه اليوم الذي يبدأ فيه
تشكل الجريب حول البييضة ، أو بكلمة أخرى : هو اليوم الذي يبدأ فيه التطور
الذي سيؤدي إلى الإلقاح ، و هو ما ينطبق عليه نص الحديث حرفياً : بدء
عملية جمع الخلق في بطن الأم ؛ و هو الحساب المعتمد في علم التوليد في كل
كتب التوليد على الإطلاق ، و هو منتشر في كل بطاقات الحوامل و في كل
المستشفيات في مختلف أرجاء العالم ، فاليوم الأول من آخر طمث هو الموعد
الحقيقي لبدء حوادث الحمل ، و هو اليوم الوحيد الذي تذكره المرأة و يمكن
سؤالها عنه ، أما الجماع الملقح فهو واحد من عدد لا تعلم المرأة أيها
تختار ، و من أين لها أن تعلم في أي مرة حصل الإلقاح ، حتى لو حصل الحمل
نتيجة جماع واحد فقد يلتبس أمر حصول الإلقاح بعده لعدة أيام .
إن حديث
الأربعينات يقدم التقسيم العلمي والعملي الوحيد الواقعي المبسط لعلم
الجنين ، و ذلك دون إهمال أي حقيقة من حقائق هذا العلم فهو من جوامع الكلم
الشاهدة على قيام الساعة على نبوة الصادق الأمين صلى الله عليه و سلم ، و
أعترف أني فهمت علم الجنين لأول مرة في حياتي حين فهمت حديث الأربعينات :
فالمرحلة الأولى : للتخطيط واتخاذ الاستعدادات اللازمة و مدتها أربعين يوماً من أول يوم من آخر طمث .
والمرحلة الثانية : هي للتنفيذ و الأعمال الإنشائية السريعة ، و اسم هذه
المرحلة : العلقة ، لأن محصول الحمل يكون فيها معلقاً بجدار الرحم تخلق
فيه كل الأعضاء ، و حين تنتهي يكون الجنين خلقاً سوياً ، و تستمر هذه
المرحلة أربعين يوماً أيضاً .
والمرحلة الثالثة : هي المضغة ، سميت
بذلك لأن محصول الحمل أصبح كقطعة اللحم ، و هي مؤلفة من قطعتين إحداهما
توصف بالمخلَّقة و هي الجنين ، و الثانية غير المخلَّقة و هي المشيمة ، و
تستمر أربعين يوماً أخرى ، و لا ندري بالضبط ما يجري فيها إلا ما يتعلق
بالعظام التي تأخذ بالتعظم و العضلات التي تأخذ بالتخطط ( التعضُّل ) [ عن
كتاب القرار المكين باختصار ] .
وقوله : " ذراع " المراد منه كما يقول
النووي في شرح صحيح مسلم : التمثيل للقرب من موته و دخوله عقبه الجنة أو
النار ، و أن تلك الدار ما بقي بينه و بين أن يصلها إلا كمن بقي بينه و
بين موضع من الأرض ذراع ، و المراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من
الناس لا أنه غالب فيهم ، ثم إنه من لطف الله تعالى و سعة رحمته انقلاب
الناس من الشر إلى الخير في كثرة و أما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي
غاية الندور و نهاية القلة .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم