أقف متجانسا أمامه ليخبرني بتأخري ربع ساعة و بعد مبرراتي الكلاسيكية التي صار يرددها قبلي إيماءا منه بحفظها يأذن لي بالدخول مع إضافة ربع ساعة أخرى من أمطار الملامة والتوبيخ، فأدخل بسعادة بالغة في نفسي تعكسها مرآة الوجه رغم وابل التوبيخ يكفيني فقط أنه قال "ادخل" متجاهلا ما غلّفها به من استهزاء وشراسة، أجلس في الخلف لعدم توفر مكان ملائم و بجرأة مصطنعة طلبت منه بعد إذنه إعادة شرح ما فاتني من المحاضرة للإلتحاق بالسابقين فنظر إليّ بازداء و خاطبني بخبث
-نعم يا أمير المؤمنين ؟
"ديدن كل من أراد أن ينهل العلم من بئر عميق صعب المِراس" هكذا اقنعت نفسي كي لا أتهوّر تهوُّر عربي يدافع عن كرامته في مكان تمسح فيه الكرامة كما تمسح السبورة كل يوم إيذانا بيوم دراسي جديد.
فتدق الباب حسناء قليل الذوق من يُسمعها ما أسمعني الدكتور، الذي اثبت أنه لا يتّسم بتلك الصّفة و كأنه نفث كلّ ما في صدره من سموم عليّ قبل مجيئها لتجد صدره برحابة صحراء العرب و معاملته بلباقة المضيفة
دخلت و توجهت إليّ و كأننا على ميعاد تأخرتْ دقيقتان...
- هل تدرسين هنا ؟ خاطبتها
- نعم
- لم أركـ من بداية الفصل الدراسي؟
- كنت مشغولة شوي
- على الرحب و السعة
- شكرا
- أيها .......... مع مين بتتكلم (قالها الدكتور بعد ما لفها بسبابه المعهود)
- أتكلم وحدي... ( دون تفكير في الجواب )
- أخرج ، هات بطاقتكـ ، آخر مرة أشوفكـ ( عبارات تعلمناها منه اكثر مما تعلمنا ما جاء لأجله )
خرجت رغم ما توقعت من رسوب في المادة على المدى الطويل إلا انّ قلبي خالٍ ندمًا لأجلس على حافة الساحة مسترجعا كيف خاطبتني تلك الفتاة و كيف كنت كبش فداء لها و تتمدد الاحلام والذكريات كلما انتشر الدخان الذي افرطت في شربه
و بعد ساعة من السباحة على الحافة إذا بها تقف عليّ ليخرج وجهها مخللا اسلاك الدخان و معلنا أن لا ضباب في حضرة الشمس
- شكرا لعدم ذكر اسمي للدكتور
- لا شكر على واجب ما كنت لأذكر اسمكـ و أنا من بدأ الحديث
- أ لهذا فقط ؟
آثرت الصمت فقد سدّت الثغرات أمام هذا السؤال المفاجئ
- عموما أي مشكلة تعرضتك في هذه المادة آن جاهزة ( بثقة )
أول مادة ايقنت بنجاحها رغم ضآلة الأسباب، فكثرت مشاكل فيها نظرا لعدم الحضور و نظرا لـ...؟!