بسم الله الرحمن الرحيم
يدرك الفاقهون بسهولة ويسر
أن المأساة الكبرى فى واقع المسلمين اليوم هى تقصيرهم البالغ فى خدمة
دينهم...فلا هم أحسنوا تطبيقه بمجموعهم ولا هم أحسنوا عرضه لغير المسلمين
بل انكمش تمدد الدين بجناية المنتمين إليه عليه.
ولولا سهولة تعاليم
الدين الإسلامي وتجاوبه مع الفطرة لتوقف ولكن رعاية الله تحوطه
وترعاه...صحيح أن هذه الرعاية الإلهية جعلت الإسلام ينتصر دينا لكن تقصير
المسلمين هزم الإسلام كدولة.
وإنه لمن المؤسف أن الغرب يعرف عن
ثرواتنا أكثر مما يعرف عن ديننا ولو نجحنا فى خدمة ديننا كما نتفنن فى
خدمة متعنا لنهضنا بهذا الدين فى عداد الخالدين ولكن أفاعيل مجموعنا ألجمت
أفواه المخلصين من أمتنا عن تقديم أى اعتذار عن هذا الدين.
كنا دولة
ذات خلافة وحضارة حين كنا نتبع دين محمد بلا جدل أو غبش فقد ملكنا هذه
الدنيا قرونا حين أخضعها رجال خالدون كأمثال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
وموسى بن نصير وطارق بن زياد ونور الدين محمود...وكم أفادت الدنيا بجهود
علمائنا كالخوارزمي وابن الهيثم وغيرهما.. وكم صدرنا تاريخنا كأنصع ما
يكون التاريخ حتى شوهه بعض الحاقدين.. وعاونهم المستعمرون وبعض الخونة من
أبناء جلدتنا ولم تعدم أمتنا أمثالهم حتى الوقت الحاضر...حتى تكالبت علينا
الأمم وبعدنا عن منهج ربنا فصرنا أضحوكة بين الأمم ونهشت تاريخنا
ومقدراتنا شعوب كان بينها وبين التحضر بون كبير- وما تزال فالتحضر غير
التمدن- وأصبحنا فى ذيل الأمم.
إننى أعلن أن أحد أسباب نكبتنا هى
حكامنا أكثر من خصومنا حتى بتنا كالكرة تتقاذفها الأمم ولا تأبه بنا كيف
؟؟ وهل يقبل من رث الثياب أن يدعو إلى الأناقة؟!
ودار الزمان وتساءل الدهر:
أين المسلمون؟
أين المسلمون؟
أين المسلمون؟
أين شبابه الذين دكوا حصون أعدائهم؟
أين
شبابه الذين كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار؟ أين شبابه الذين ما
عرفوا الأغاني مائعات؟ أين شبابه الذين ما عرفوا الخلاعة والمجون؟ أين
شبابه الذين كانوا لا يتبجحون فى كل أمر خطير ليقال عنهم مثقفون؟ أين
شبابه الذين كانوا يأبون أن تقيدهم الشهوات والأغلال ؟ أين شبابه الذين
كانوا لا يرهبون المعتقلات والتشويه؟
هكذا تساءل الدهر....فهل من مجيب؟؟
هذى المعانى تأملتها بدقة وفاضت على ذهنى ذلك حين تمثلت أبيات هاشم الرفاعى حين قال :
مَلكنـا هـذهِ الدنيا قُرونـاً *** وأخضَعَها جدودٌ خالـدونـا
وسطَّرنا صحائفَ من ضياءٍ *** فما نسيَ الزمانُ ولا نسينـا
حملنـاهـا سيوفاً لامعـاتٍ *** غداةَ الروعِ(1) تأبى أنْ تلينا
إذا خرجَتْ من الأغمادِ يوماً *** رأيتَ الهولَ والفتحَ المبينـا
وكنُّـا حيـنَ يرمينـا أناسٌ *** نُـؤدِّبهمْ أبـاةً قـادريـنـا
وكنَّـا حيـنَ يأخُذنـا ولي *** بطغيانٍ ندوسُ لـهُ الجبينـا
تفيضُ قُلوبُنا بالهديِ بأسـاً *** فما نُغضي عن الظلمِ الجُفونا
وما فتىءَ الزمانُ يدور حتى *** مضى بالمجدِ قومٌ آخرونـا
وأصبحَ لا يُرى في الركبِ قومي *** وقد عاشوا أئِمَّتَهُ سنينـا
وآلمنـي وآلـمَ كـلِّ حـرٍ *** سؤالُ الدهرِ: أين المسلمونا ؟
تُرى هل يرجعُ الماضي ؟ *** فإني أذوبُ لذلكَ الماضي حنينا
بَنَينا حُقبةً فـي الأرض مُلكـاً *** يدعِّمهُ شبـابٌ طامحُونـا
شبابٌ ذَلَّـلوا سُبـلَ المَعالي *** وما عَرفوا سوى الإسلامِ دينا
تَـعَهَّدَهـمْ فـأنبتهمْ نباتـاً كريماً *** طابَ في الدنيا غَصونا
همُ وردوا الحياضَ مباركاتٍ *** فسالتْ عندَهمْ مـاءً مَعـينا
إذا شهِدوا الوغى كانوا كُماةً *** يـدكُّونَ المعاقلَ والحُصونا
وإنْ جنَّ(2) المساءُ فلا تراهم *** مـن الإشفاقِ إلا ساجِدينـا
شبـابٌ لـمْ تُحطِّمهُ الليالي *** ولمْ يُسلمْ إلى الخصمِ العرينا
ولم تشهدُهُمُ الأقداحُ يـوماً *** وقـد مـلأوا نواديهم مُجونا
وما عرفوا الأغاني مائعاتٍ *** ولـكنَّ العُلا صِيغَتْ لُحونا
وقـد دانوا بأعظَمِهِمْ نِضالا *** وعلماً، لا بـأجرِئِهمْ عيونا!
فـيتَّحدونَ أخـلاقاً عِـذاباً *** ويـأتلفُون مُجتمعـاً رزينا
فما عَرَفَ الخلاعَةَ في بناتٍ *** ولا عَرَف التخنُّثَ في بنينا
ولـم يتشدَّقوا بقـشورِ علمٍ *** ولـمْ يتقيّبوا فـي المُلحدينا
ولم يتبجحوا في كلِّ أمـرٍ *** خطيرٍ كـيْ يقـالَ مثقفونا
كذلكَ أخرجَ الإسلامُ قومي *** شباباً مُخلصاً حـراً أمـينا
وعلَّمهُ الكرامةَ كيف تُبنى *** فيأبى أنْ يُقَّيدَ أو يـهونـا
دعوني من آمانٍ كاذباتٍ *** فلم أجـدِ المُنى إلا ظُنونـا
وهاتوا لي منَ الإيمانِ نوراً *** وقَوُّوا بـينَ جنبيَّ اليَقينـا
أمـدُّ يدي فأنتزعُ الرواسي *** وأبنِ المجدَ مؤتلقاً مكينـا
(1) الروع: الحرب.
(2) جن الليل: أظلم