تعددت الوسائل التي يحاول من خلالها الأطباء الكشف المبكر عن الأمراض السرطانية ومن ثم السيطرة عليها قبل أن تتفاقم ويصعب علاجها. وآخر ما توصل إليه الطب الحديث للحد من انتشار هذه الأمراض هو استخدام نظائر المواد المشعة في علاج بعض الأمراض وتشخيص البعض الآخر ورسم الخطة العلاجية للمريض، وهذا ما يسمى بالطب النووي. وقد سمي بالنووي نسبة إلي نواة الذرة التي هي مصدر الإشعاع المنبعث من هذه المواد المشعة.
ويعد استخدام النظائر المشعة في تشخيص وعلاج الأمراض من أحدث تطبيقات التكنولوجيا في المجال الطبي، فهذه المواد لها القدرة على اكتشاف أي خلل وظيفي في أي عضو من أعضاء جسم الإنسان، كما أن لها دور مهم أيضاً في علاج بعض الأمراض بإعطاء المريض مادة مُشعة خاصة تختلف عن التي تُستخدم في التشخيص, و تتركز هذه المادة في أماكن المرض حتى يتسنى القضاء عليه دون أي آثار جانبية.
تشخيص الأمراض بالمواد المشعة
تستخدم النظائر المشعة في تقدير كمية بعض المواد والأدوية والهرمونات في الدم، وذلك باستخدام جهاز يسمى العداد الوميضي Scintillation counter ، حيث يتم سحب عينة من دم المريض وفصل المصل (البلازما) serum وإضافة النظير المشع الخاص بالمادة المعينة له، فمثلا في تقدير نسبة هرمون الثيروكسين الذي تفرزه الغدة الدرقية يستعمل اليود 125 ثم يوضع في جهاز العد الوميضي الذي عن طريق الحاسب الآلي المتصل بهذا الجهاز تتم قراءة وجود المادة في الدم وبطريقة حسابية وبيانية يتم حساب كمية هذه المادة في الدم.
المسح الإشعاعي لأعضاء الجسم
ويعتبر هذا الاستخدام هو الأكثر شيوعا في مجال الطب النووي وهي عملية مسح وتصوير للعضو المراد فحصه وتتم عن طريق إعطاء المريض المادة المشعة الخاصة لفحص العضو إما عن طريق الفم، وإما عن طريق الحقن الوريدي، وبالطبع فإن كان كل عضو يختلف عن الآخر في نوع المادة المشعة المستخدمة أو المادة الكيميائية التي تضاف إلى المادة المشعة قبل إعطائها للمريض، ومثال ذلك عند فحص الكبد يعطى المريض التكنزيوم مضافا إليه مادة غروية تلتقطها خلايا الكبد، أما في حالات فحص المخ فيعطى التكنزيوم بدون إضافات أو بإضافة مادة أخرى تسمى DTPA، وأما في حالات فحص الغدة الدرقية فيعطى المريض اليود 131 عن طريق الفم وفي حالات المسح الإشعاعي للرئتين تستخدم مادة الزيتون 133 عن طريق الاستنشاق.
وبعد أن يتناول المريض المادة المشعة يمتص الجسم هذه المادة، وتلتقط بالعضو المراد فحصه من الدم ثم تم تصوير هذا العضو عن طريق جهاز متصل بكاميرا لالتقاط أشعة جاما ويسمى هذا الجهاز Camera، ومنه يتم الحصول على صورة فوتوغرافية على أفلام بولورويد أو أي نوع خاص من أفلام الأشعة العادية للعضو المراد فحصه، ومن هنا يتضح الاختلاف بين فحص المسح الإشعاعي والفحص بالأشعة العادية (أشعة إكس أو كما تسمى بأشعة رونتجن Roentgen rays). ومن الفحوصات التي لا يمكن لأشعة رونتجن القيام بها وقامت بها طريقة المسح الإشعاعي هي مثلا تصوير أعضاء الجسم مثل الكبد والطحال والغدة الدرقية .
العلاج بالطب النووي
- تستخدم المواد المشعة في حالات كثيرة، وتأتي بنتائج مشجعة مثل استخدامها في علاج بعض الأورام الخبيثة وعلاج تسمم الغدة الدرقية ومن أمثلة المواد المشعة الآتي :
ـ الكوبالت وهو من المواد المشعة المستخدمة منذ وقت بعيد ويستخدم في علاج الأورام السرطانية مثل سرطان الحنجرة وسرطان المثانة البولية وسرطان المخ والعظام والرحم.
ـ السيزيوم المشع الذي يستخدم في علاج سرطان الثدي ومرض هودشكن.
ـ الراديوم المشع ويستخدم على هيئة بذور أو غبر في مكان المرض في حالات سرطان اللثة وسرطان عنق الرحم.
ـ الذهب المشع ويستخدم في حالات سرطان وأورام الغدة النخامية.
ـ اليود المشع وهو نظير مشع يستعمل بكثرة في تشخيص أمراض الغدة الدرقية وأيضا في علاج بعض منها.
سلامة الفحوصات
إن المواد النووية المُشعة التي تستعمل في الطب النووي هي مواد خاصة أساساً للإستخدام على الإنسان في التشخيص و العلاج و ليس لها أى ضرر. وتم إنتاج هذه المواد في مصانع معروفة في العالم من مفاعلات أو معجلات نووية خاصة لهذا الغرض. ثم تُفحص في مختبرات خاصة للتأكد من سلامة فصلها و نقاوتها و خلوها من أي شوائب نووية أو ميكروبية ضارة على جسم الإنسان. و توضع هذه المواد في عبوات خاصة من الرصاص يسهل حملها و نقلها من مكان إلى آخر دون أي خطورة.
وبعد وصول هذه المواد إلى قسم الطب النووي يقوم مسئول المختبر الحار بإجراء تحديد العينات و التأكد من معدل الجرعة و مدى كفاءة إتحادها بالمادة المُرشدة. و المواد المُرشدة هي مواد كيميائية تُساعد على تركيز المادة المُشعة في العضو المُراد فحصه, و هي مواد مُصرح بإستخدامها عالمياً و عُمل عليها إختبارات أثبتت خلوها من الميكروبات و المواد الضارة و من عدم وجود أي تفاعلات حيوية في جسم الإنسان.
وللجرعات المُخصصة لكل فحص حدود مسموح بها عالمياً و توجد قوانين خاصة بالوقاية من الإشعاع لحماية المريض و العاملين و المجتمع بصورة عامة. و هذه القوانين مُتبعة بكل دقة في أقسام الطب النووي في الكويت. المادة المُشعة التي تُعطى للمريض تبقى لمدة قصيرة في جسم المريض , و يُطرد كميات كبيرة منها عن طريق البول و البراز و العرق و التنفس بالإضافة إلى كونها تتحلل فيزيائياً حسب فترة نصف العمر لكل مادة. و لا تؤثر المواد المُشعة على مرافقي المريض أو العاملين في الطب النووي و لهذا فليس هناك أي داعي لعزل المريض خلال الفحص أو أن يرتدي العاملين الرداء الرصاصي كما هو معروف في فحوصات الأشعة السينية. و تُعطى هذه المواد للأطفال حديثي الولادة دون ضرر.
توصيات هامة
- خرج المؤتمر الدولي الأول للطب النووي بعدة توصيات هامة منها:
ـ التشديد على أهمية استخدام التصوير بالانبعاث البوزيتروني كطريقة أساسية مستقبلا في التحديد المرحلي للأورام قبل العلاج كما هو الحال في متابعة المرضى بعد العلاج لتحديد نسبة ودرجة الشفاء.
ـ العمل على تدريب الأطباء والفنيين على استخدام هذا الجهاز في علاج وتشخيص الأورام، خاصة أورام الثدي والأورام الخبيثة والتفريق بينها وبين الأورام الحميدة حتى يتجنب المريض التعرض للأشعة.
ـ استخدام الجهاز المدمج بين الـ "جاما كاميرا" والتصوير الطبقي المحوري بالأشعة السينية في تشخيص الدورة التاجية وتحديد نسبة حيوية عضلة القلب بعد الاحتشاء القلبي.
ـ أهمية استخدام تصوير الإرواء الدموي للقلب بالنظائر المشعة في تحديد درجة الخطورة لمرضى احتشاء عضلة القلب منذ اللحظات الأولى لحدوث الجلطات بالشرايين التاجية مما يتيح متابعة أكثر دقة للحالات الأكثر خطورة مما يمنع حدوث المضاعفات مثل الوفاة المفاجئة وتكرار احتشاء عضلة القلب.
ـ التوصية باستخدام المادة المضادة للأنتجين CD20 في علاج أورام الخلايا اللمفاوية حيث أن هذا العقار لم يستخدم من قبل في السعودية