لقد ظهر في صدر الإسلام في عصر الدولة العباسية جمهرة من العلماء البارزين في العلوم الرياضية، ومنهم عالمنا (محمد بن موسى الخوارزمي).
لم يصلنا سوى القليل عن أخبار الخوارزمي، وما نعرفه عن آثاره أكثر وأهم مما نعرفه عن حياته الخاصة.
هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي (أبو جعفر),كان من اوائل علماء الرياضيات المسلمين حيث ساهمت اعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات في عصره. ، أصله من خوارزم. ونجهل تاريخ مولده، غير أنه عاصر المأمون.
انتقلت عائلته من مدينة خوارزم في خراسان الى بغداد , وعاش مع اهله في قريه صغيره تسمى قطربل , هو أصغر إخوته من البنين والبنات ، كان محمد دائما مشغول الفكر بأشكال الأشياء والمسافات بينها وتقدير ارتفاعاتها وقضي محمد عامين في دراسته للرياضيات ولنبوغ الخوارزمي في علم الرياضيات حيث ذاع اسمه وانتشر صيته بعدما برز في الفلك والرياضيات. اتصل بالخليفة المأمون الذي أكرمه، وانتمى إلى (بيت الحكمة) وأصبح من العلماء الموثوق بهم.
انجز الخوارزمي معظم ابحاثه بين عامي 813 و 833 في دار الحكمة، التي أسسها الخليفة المأمون. و نشر اعماله باللغة العربية، التي كانت لغة العلم في ذلك العصر. ويسميه الطبري في تاريخه: محمد بن موسى الخوارزمي المجوسي القطربلّي ، نسبة إلى قرية قُطْربُلّ من ضواحي بغداد. اللقب مجوسي يتناقض مع بدء الخوارزمي لكتابه (الجبر والمقابلة) بالبسملة.
في بيت الحكمة طور الخوارزمي الفكر الرياضي وذلك بإيجاد نظم لتحليل كل من معادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية، لذا يعتبر الجبر والمقابلة للخوارزمي هو أول محاولة منظمة لتطوير علم الجبر على أسس علمية منطقية.
إن الرياضيات التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان تجعل حساب التقسيم الشرعي للتركات بين الورثة معقدًا للغاية - إن لم يكن مستحيلاً - وهذا ما دفع الخوارزمي للبحث عن طريق أدق وأشمل وأكثر قابلية للتكيف، فاستعمل علم الجبر، وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبر الذي جعله مشهورًا حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد.
وقد بين الخوارزمي في مقدمة كتابه (حساب الفلك والجبر والمقابلة) أن الخليفة المأمون هو الذي طلب منه أن يؤلف كتاب: (حساب الجبر والمقابلة) كي يسهل الانتفاع به في كل ما يحتاج إليه الناس، وهنا نورد نص مقدمة كتاب (حساب الجبر والمقابلة):
"وقد شجعنا ما فضل الله به الإمام (المأمون) أمير المؤمنين من الخلافة التي حاز له إرثها، وأكرمه بلباسها، وحلاه بزينتها، من الرغبة في الأدب وتقريب أهله وأبنائهم، وبسط كنفه لهم، ومعونته إياهم على إيضاح ما كان مشتبهًا وتسهيل ما كان مستوعرًا".
وقد ترك الخوارزمي عدداً من المؤلفات أهمها: الزيج الأول، الزيج الثاني المعروف بالسند هند، كتاب الرخامة، كتاب العمل بالإسطرلاب، كتاب الجبر والمقابلة الذي ألَّفه لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه. ويعالج كتاب الجبر والمقابلة المعاملات التي تجري بين الناس كالبيع والشراء، وصرافة الدراهم، والتأجير، كما يبحث في أعمال مسح الأرض فيعين وحدة القياس.
ويقوم بأعمال تطبيقية تتناول مساحة بعض السطوح، ومساحة الدائرة، ومساحة قطعة الدائرة، وقد عين لذلك قيمة النسبة التقريبية فكانت 7/1 3 أو 7/22، وتوصل أيضاً إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط.
و لا يعتبر الخوارزمي أحد أبرز العلماء العرب فحسب، وإنما أحد مشاهير العلم في العالم، إذ تعدد جوانب نبوغه. ففضلاً عن أنه واضع أسس الجبر الحديث، ترك آثاراً مهمة في علم الفلك وغدا (زيجه) مرجعاً لأرباب هذا العلم. كما اطلع الناس على الأرقام الهندسية، ومهر علم الحساب بطابع علمي لم يتوافر للهنود الذين أخذ عنهم هذه الأرقام. وأن نهضة أوروبا في العلوم الرياضية انطلقت ممّا أخذه عنه رياضيوها، ولولاه لكانت تأخرت هذه النهضة وتأخرت المدنية زمناً ليس باليسير .
هذا، وتظهر عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس (اليونان)، فاستحسن أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدة طويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.
وللخوارزمي مأثرة أخرى، وهي أنه رسم للمأمون خريطة كبيرة للعالم المعمور على أيامه، كما وضع كتاباً جغرافياً بعنوان "صورة الأرض " اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات. وقد نشر هذا الكتاب وترجم إلى الألمانية سنة 1926 م.
وشارك الخوارزمي علماء المأمون في أعمال المرصد الفلكي لمعرفة محيط الارض ومساحتها وتقدير خطوط الطول والعرض ووضع حصاد هذا الجهد في كتابه الربع المعمور والف في الجغرافيا والفلك وهو من انبغ المسلمين في الرياضة والجغرافيا .
ولم يتفق أحد من مؤرخي العلم علي تاريخ ميلاد له أو وفاة لكن حصاد عمر الخوارزمي في علم الجبر والحساب خاصة مازال يعطي ثماره في كل زمان ومكان .
تعتبر انجازات الخوارزمي في الرياضيات عظيمة، و لعبت دورا كبيرا في تقدم الرياضيات و العلوم التي تعتمد عليها وسأذكر البعض من إنجازاته حسب مصادري :-
1- ابتكر الخوارزمي مفهوم الخوارزمية في الرياضيات و علم الحاسوب، (مما اعطاه لقب ابي علم الحاسوب عند البعض)، حتى ان كلمة خوارزمية في العديد من اللغات (و منها algorithm بالانكليزية) اشتقت من اسمه.
2- قام الخوارزمي باعمال هامة في حقول الجبر و المثلثات والفلك و الجغرافية و رسم الخرائط. ادت اعماله المنهجية و المنطقية في حل المعادلات من الدرجة الثانية الى نشوء علم الجبر، حتى ان العلم اخذ اسمه من كتابه حساب الجبر و المقابلة، الذي نشره عام 830، و انتقلت هذه الكلمة الى العديد من اللغات (Algebra في الانكليزية).
3- تجميع و تطوير المعلومات في مجال الرياضيات وقد كانت موجودة مسبقا عند الاغريق و في الهند، فاعطاها طابعه الخاص من الالتزام بالمنطق. بفضل الخوارزمي، يستخدم العالم الاعداد العربية التي غيرت و بشكل جذري مفهومنا عن الاعداد، كما انه قذ ادخل مفهوم العدد صفر، الذي بدأت فكرته في الهند.
4- صحح الخوارزمي ابحاث العالم الاغريقي بطليموس Ptolemy في الجغرافية، معتمدا على ابحاثه الخاصة.
5- اشرف على عمل 70 جغرافيا لانجاز اول خريطة للعالم المعروف آنذاك
6- عندما اصبحت ابحاثه معروفة في أوروبا بعد ترجمتها الى اللاتينية، كان لها دور كبير في تقدم العلم في الغرب، عرف كتابه الخاص بالجبر اوروبة بهذا العلم و اصبح الكتاب الذي يدرس في الجامعات الاوروبية عن الرياضيات حتى القرن السادس عشر.
7- كتب الخوارزمي ايضا عن الساعة، الإسطرلاب، و الساعة الشمسية.
8- هو من وضع أسس حساب علم اللوغاريتم، ونسبة له سمي هذا العلم بهذا الاسم.
9- الخوارزمي أول من أطلق تسمية ”سهم” على الخط النازل من منتصف القوس على الوتر، وتوصل إلى حساب طول الوتر بواسطة القطر والسهم.
10- وضع طرقاً تطبيقية لمعرفة مساحة المسطحات ومساحة الدائرة ومساحة قطعة الدائرة ومساحة المثلثات، وتوصل إلى حساب حجم الهرم الثلاثي وحجم الهرم الرباعي وحجم المخروط.
وقد ترجم جيرارد قرمونة كتاب (حساب الجبر والمقابلة) للخوارزمي إلى اللغة اللاتينة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وظل كتاب الخوارزمي في الجبر معروفًا في أوروبا باللغة اللاتينية، ولكن في سنة 1247ه (1831م) عثر على نسخة باللغة العربية في مكتبة(بودلين) في اكسفورد في بريطانيا ونشرت بالحروف العربية في العام نفسه ليس فقط في أوروبا ولكن في العالم العربي والإسلامي.
لقد أوحى الخوارزمي بفكرة المحددة التي تعتبر من أهم موضوعات الجبر الحديث، ثم قام العالم الياباني (سيكي كاو) (1642 1708م) بتطويرها، وليس كما يدعي علماء الغرب من أن (ويلهم ليبنز) الألماني (1646 1716م) هو مبتكر المحددة، غير أن العالم الفرنسي (اوقستين لويس كوشي) (1789 1857م) عمم المحددة وطبقها على الحياة العلمية.
لقد استعمل الخوارزمي طريقة البنائية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح، لذا فإن الخطأ بين موضوعين يعتبر من ابتكار الخوارزمي، وهذه الطريقة أدت دورًا مهمٌّا في التحليل العددي، وتعرف في اللغة الإنجليزية باسم False positions
كما عرّف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخدم (التكسير) ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية.. وأيضاً تطرق إلى إيجاد مساحات بعض السطوح المستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرم الثلاثي والرباعي، والمخروط، والكرة، واستعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط = 8/22 أو 10 لذا فإن الخوارزمي قد أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكار الجبرية لمعرفة المساحة.
كان يعرف أن هناك حالات يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكميات التخيلية) وسماها الحالة المستحيلة، وبقيت معروفة بهذا الاسم بين علماء الرياضيات حتى بدأ العالم السويسري المعروف ليونارد أويلر (1707 1783م) وعرف أويلر الكميات التخيلية بأنها الكمية التي إذا ضربت في نفسها كان الناتج مقدارًا سالبًا وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا.
ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 1855م) فركز على دراسة الكميات التخيلية وخواصها وبلورها والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت في النهاية إلى معرفة التحليل المركب الذي يعتبر من أهم العلوم الرياضية في العصر الحديث.
ومما لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل يرجع أولاً وأخيرًا لله تعالى ثم للعالم الإسلامي محمد بن موسى الخوارزمي ثم لعلماء الغرب الذين طوروا في الكميات التخيلية حتى وصلوا بها إلى أن صارت علمًا مستقلا يعرف بعلم التحليل المركب. رحم الله علمائنا الأفذاذ جزاء ما قدموا لنا. [/size]