السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول تعالي {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
قوله لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ فيه أقوال للأئمة من السلف :أحدها :لا تدركه في الدنيا وإن كانت تراه في الآخرة,كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
كما قال مسروق عن عاشة أنها قالت :من زعم أن محمداً أبصر ربه فقد كذب, وفي رواية-علي الله-
فإن الله تعالي قال :لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وقد خالفها ابن عباس فعنه إطلاق الرؤية وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين,
وقال آخرون لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُأي :جميعها , وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الأخرة ,وقال آخرون من المعتزلة بمقتضي ما فهموه من هذه الآية :أنه لا يري في الدنيا ولا في الآخرة ,فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك , مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب فقوله تعالي :وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وقال تعالي عن الكافرين كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ قال الإمام الشافعي:فدل هذا علي أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالي . وأما السنة فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنس وجرير وصهيب وبلال وغير واحد من الصحابة عن النبي صلي الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات وفي روضات الجنات,
جعلنا الله تعالي منهم بمنه وكرمه آمين.وقيل:المراد بقوله لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ أي :العقول, وهذا غريب جدا وخلاف ظاهر الآية ,وكأنه اعتقد أن الإدراك في معني الرؤية -والله أعلم-وقال آخرون لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك فإن الإدراك أخص من الرؤية ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم.
ثم اختلف هؤلاء في الإدراك المنفي ما هو ؟ فقيل:معرفة الحقيقة ,فإن هذا لا يعلمه إلا هو وإن رآه المؤمنون , كما أن من رأي القمر فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته ,فالعظيم أولي بذلك وله المثل الأعلي.
وقال آخرون:المراد بالإدراك:الإحاطة,قالوا:ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم ,
قال تعالي:وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وفي صحيح مسلم :لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت علي نفسك ولا يلزم منه عدم الثناء فكذلك هذا.
كانت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-تثبت الرؤية في الدار الآخرة وتنفيها في الدنيا,وتحتج بهذه الآية لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فالذي نفته الإدراك الذي هو بمعني رؤية العظمة والجلال علي ما هو عليه ,فإن ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشئ.
صحيح تفسير بن كثير