تقع شبه الجزيرة الأيبيرية، بلاد الأندلس في منطقة معتدلة المناخ من نصف الكرة الشمالي، وهي تقع بين بحرين وتتوسط قارتين، وقد جعلها موقعها الجغرافي الهام ملتقى الشعوب القديمة على مر العصور، وكانت المنطقة التي يطلق عليها اسم "الأندلس" تتقلص وتنبسط تبعاً لتقلص نفوذ العرب وانبساطه .. وتضم الأندلس اليوم ثماني مقاطعات جنوبية هي : قرطبة، أشبيلية، غرناطة، ولبا، قادس، جيان، مالقة وألمرية .. أما سبب التسمية فليس واضحاً الوضوح كله، والراجح أنه تحريف للفظة "فندلس" وهو اسم لقبيلة "الفندال" الجرمانية .. وقد غزا هذا الشعب أوروبا الغربية في القرن الخامس للميلاد، فنهب روما واستقر فترة جنوبي أسبانيا، ثم انتقل القسم الأكبر منه إلى أفريقيا .. وفي العصور القديمة سكنت بلاد الأندلس جماعات من الصيادين تركوا من الآثار رسوماً بدائية ذات قيمة تاريخية كبيرة في بعض المغارات .. ثم شهدت شبه الجزيرة الايبيرية قافلة التاريخ تمر بأرضها، فغزتها أقوام من "السلتتيين" والفينيقيين والاغريق، ساهمت كل منها في بناء الحضارة الانسانية. وفي العصر الروماني صارت إقليماً من أقاليم الامبراطورية، وبعد سقوط روما تحولت إلى مملكة حكمها "القوط" نحواً من ثلاثمائة سنة .. أما العرب فدخلوا شبه الجزيرة الأيبيرية في مطلع القرن الثامن ميلادي.
الأندلس قبيل الفتح :
في مطلع القرن الخامس للميلاد اجتاح القوط الغربيون أسبانيا، وأنشأوا دولة قوطية عاصمتها "طليطلة" وكانت أسبانيا تدين بالكثلكة، بينما كانت ديانة القوط الآريوسية ، الكثلثة، مما ساعد رجال الدين على بسط نفوذهم وقد دبت الفوضى في عهد الملكين "أرفيجيو" و "أخيكا". استكشاف الأندلس : كانت حملة المسلمين على شبه الجزيرة الأيبيرية مدخل أوروبا الجنوبي ولهذه الحملة من حيث السرعة التي تمت فيها والنجاح الباهر الذي لاقته مكانة فريدة في تاريخ الحروب في العصور الوسطى وأول اتصال بعامل الأندلس كان سنة 710 م، فقد صير موسى بن نصير عامل بني أمية الشهير على أفريقيا مولى له يدعى طريفاً في أربعمائة رجل ومائة فارس من البربر لاستكشاف البلاد، فجاز طريف المضيق ونزل مكاناً عرف فيما بعد باسم جزيرة طريف (تريفا اليوم). نزول طارق : وكان موسى، بعد اخضاعه شمال أفريقيا ووصوله إلى الأطلسي، يتطلع إلى القارة الأوروبية، والذي شجعه نجاح طريف والنزاع بين رجال الحكم في مملكة القوط الاسبانية وحسنت في عينه الغنائم فأرسل سنة 711م مولى له بربرياً هو طارق بن زياد في سبعة آلاف رجل معظمهم من البربر ونزل بهم طارق قرب جبل الفتح الذي عرف به منذ ذلك العهد فخلد اسمه، أي جبل طارق وتذهب الأخبار إلى أن المسلمين جاوزوا المضيق الذي لا يصل عرضه إلى عشرين كيلومتراً إلى الأندلس في مراكب قدمها لهم يليان أمير "سبته" الرومي. وكان يليان غاضباً من لذريق (رودريك) ملك القوط بسبب تغطرسه ومراودته الاميرات عن أنفسهن ومنهن ابنة يليان "فلورندا". معركة وادي بكه : وعندما وصل خبر نزول طارق إلى ملك القوط لذريق جهز جيشاً ضخماً لرد الغزاة وأسرع للقاء طارق وبعد مناوشات قصيرة دارت في وادي بكه معركة ضاري كادت فيها الكثرة القوطية أن تقضي على القلة الاسلامية لو لم تدب الحمية في نفوس جند طارق بعدما ألهب صدورهم بخطابه المشهور والذي جاء فيه: "البحر من ورائكم والعدو أمامكم فأين المفر.." فانتقل النصر إلى جانب المسلمين ودارت الدوائر على القوط وتشتت شملهم أما لذريق الذي أجمعت الأخبار الاسبانية والعربية على اختفائه فلا ندري كيف انتهى أمره، وقد وجدت فيما بعد مركبته الحربية على ضفة نهر "الوادي الكبير". التوغل في البلاد : بعد هذا النصر الحاسم توغل المسلمون في شبه الجزيرة الأيبيرية، أو بلاد الأندلس كما عرفت، وكاد يكون زحف الجيش في البلاد أشبه بالنزهة وزحف طارق بمجموعة إلى طليطلة عاصمة الأسبان واحتل فريق آخر مدينة "البيره" وهي قرب الموضع الذي تقوم فيه غرناطة اليوم وسير طارق مغيثاً الرومي في سبعمائة فارس على مدينة قرطبة فحاصرها، وصمدت هذه المدينة التي أصبحت فيما بعد عاصمة للمسلمين، وقاومته نحو عشرين، ثم فتحها بعد أن دله فيما يقال راعي غنم هناك على ثغرة في سورها .. وفتحت مالقة بلا مقاومة، وسقطت طلطية أيضاً بمعاونة سكانها اليهود .. فاستطاع طارق بذلك أن يحتل نصف بلاد الأندلس خلال بضعة أشهر وأن يقضي على مملكة بأسرها. نزول موسى بلاد الأندلس : وفي سنة 712م نزل موسى بن نصير بلاد الأندلس على رأس عشرة آلاف من العرب وأهل الشام لمشاركة طارق بالفتح والمغانم، فاحتل المدن والحصون التي تجنبها طارق، وخاصة مدينة اشبيلية التي حاصرها واقتحمها في صيف 713م كما لقي موسى مقاومة مدينة ماردة التي قاومت سنة كاملة قبل أن تسقط .. ثم قصد موسى مدينة طليطلة فاستقبله طارق بحفاوة بالغة .. وقيل أن موسى كان غاضباً بسبب عدم توقف طارق عن الزحف عندما أمره موسى بذلك .. ثم رضى موسى وتابع الزحف برفقة طارق، فاحتل المسلمون جملة مدن وحصون .. وكادت الاندلس أن تسقط بيد المسلمين بكاملها لو لم تأت رسل الخليفة الوليد تأمر كلاً من موسى وطارق بالعودة إلى الشام. معركة الزلاقه وتمزق الأندلس : بعد انهيار ملك بني أمية في الاندلس عمد رؤساء الطوائف فيها من عرب وبربر وموال إلى اقتسام النفوذ فيها، حتى كاد على كل مدينة أمير مستقل، فعرفوا بملوك الطوائف .. ومثل هذا التفسخ في جسم الدولة حمل القوي على أن يطمع بالضعيف، والضعيف على ان يلوذ بالقوي أو يستنجد بملوك الإفرنج الذين راحوا بدورهم يستولون على العواصم، فكانت رقعة العرب تنحسر بذلك مما أنذر بنهاية مشؤومة. خطر الافرنج : وراح ألفونسو السادس ملك قشتالة يضيق على المعتمد بن عباد ملك إشبيلية، فقرر هذا الأخير الاستنجاد بأمير المرابطين في المغرب يوسف بن أشفين .. ولما حذر الرشيد والده المعتمد من خطر المرابطين أجابه المعتمد: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، أي أنه يفضل أن يكون مأكولاً ليوسف بن تاشفين يرعى جماله في الصحراء على أن يكون أسيراً عند "ألفونسو" يرعى خنازيره في قشتاله. نجدة ابن تاشفين : تلقى ابن تاشفين دعوة ابن عباس فحشد جيشه في مدينة "سبته"، ثم اجتاز المضيق إلى "الجزيرة الخضراء"، في شهر ربيع الآخر 479 هـ. (أغسطس 1086م) فوجد أمير إشبيلية بانتظاره، واتفقا على خطة مواجهة الخطر القشتالي .. ثم سار فرسان المرابطين في الطليعة وعدتهم عشرة آلاف فارس يقودهم داود بن عائشة، ثم الجيش الأندلسي يقوده ابن عباد، ثم الجيش الصحراوي بإمرة يوسف بن تاشفين، ونزلت الجيوش بظاهر (خارج) مدينة "بطليوس"، فخرج أميرها المتوكل ان الأفطس وقدم لهم الأقوات. تحالف أوروبي : فلما علم "ألفونسو" بالزحف المغربي والأندلسي، ارتد عن "سرقسطة" التي كان يحاصرها وعاد إلى "طليطلة" يحشد العساكر من قشتالة و "ليون" و "غاليسيا" و "غسكونيا" و "أشتوريش" و "أراغون"، كما جاءه المدد بالعدة والعدد من ولايات فرنسا الجنوبية .. فاجتمع لدى ألفونسو جيش عظيم تختلف الروايات في تقديره، ولكنها تتفق على عددهم كان يفوق بكثير عدد الجيوش الإسلامية. في سهل الزلاقة : وجاءت الأنباء أن ألفونسو زاحف بقواته إلى بطليوس، فنشط القادة المسلمون إلى ترتيب صفوفهم، وقام الفقهاء والخطباء يحضون على الثبات ويحذرون من الفشل. وأقبلت الجيوش الأسبانية بخيلها ورجلها تملأ الأرض فنزلت على مسافة قريبة من بطليوس ، في سهل تتخلله الغابات يعرف باسم الزلاقة، وعسكرت تجاهها الجيوش العربية يفصل بينهما نهر صغير. الحوار : فلما أخذت العساكر الاسبانية امكنتها أرسل ابن تاشفين إلى ألفونسو كتاباً يدعوه فيه إلى الاستسلام والدخول في طاعته، ومما جاء فيه : ( بلغنا يا أدفنش (ألفونس) أنك رغبت في لقائنا وتمنيت أن يكون لك سفن تعبر فيها البحر إلينا .. فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) .. فلما اطلع ألفونسو على مضمون الكتاب رماه أرضاً غاضباً وقال للرسول: "قل لمولاك أننا سنلتقي في ساحة الحرب" .. ولم يشأ العاهل الأسباني أن يباشر القتال قبل اللجوء إلى بعض خداعه، فما أن أصبح الخميس حتى وصل رسول "ألفونسو" يحمل كتاباً إلى يوسف بن تاشفين يقول فيه: ( غداً يوم الجمعة وهو عيدكم، والأحد عيدنا، فليكن لقاؤنا يوم السبت ) .. وفي رواية أخرى أنه استثنى يوم السبت أيضاً لأنه عيد اليهود، وفي المعسكرين كثير منهم، واختار للقاء يوم الاثنين.