مأساة يوم العيد
علي الحارثي
كنت عائدا من صلاة العيد فرأيت الأطفال مع آبائهم والبسمة تعلو محياهم فتذكرت أولئك الأطفال في كل مكان من ديار المسلمين المنكوبة وكيف عيدهم ؟
وتخيلت عندما يخرج الطفل مع أبيه فتخطفه المنون .… هذه الأبيات على لسان رجل مسلم كان ذاهبا مع ابنه ( هشام ) لصلاة العيد فأتت رصاصة طائشة قتلت الطفل فأخذ أبوه عند احتضاره يقول :
بقلبي حسرة وبه ضرام ******** وفي شفتي يحتضر الكلامُ
أسير وفي الطريق كلاب بغيٍ******* وفي الآفاق يحتد الظلام
وأُسرع خطوتي لصلاة عيدٍ ******** يرافقني لها ولدي هشام
أرى بين الطلول هناك علجا ******** تُرى أَلَهُ بنا يبدو مرام
أشاح بوجهه هيمان يمشي ******** خبيثا لا تفارقه المُـدام
وأطلق حقده في كل جرءٍ ********وولى الوغد يخفيه القتام
نظرت فلم أجد ولدي بقربي ******** إلهي هل دنى منه الحمام
إلهي !! إنه ولدي وحيدي ******** لأيامي أيا ربي قَوام
فناداني يودعني بجسم ******** عليه من الرصاص بدا وسام
أيا ولدي فديتك يوم بؤس******** وما عندي سواك فهل ألام
فديتيا حبيب القلب إني****** ليعصر قلبي الحزن اللُّهام
غدوت معي بثوب العيد تمشي ** **** وفي عينيك للفرح ارتسام
إذا ما قلتُ هيا قلتَ مهلا ******** أودع لعبتي ولك ابتسام
مضينا والرصاص له هدير ******** وفي الثكنات يختبيء اللئام
وتسألني وتنظر في ذهول ******** لماذا يهجر العيدَ السلام
لماذا يا أبي تبدو كئيبا ******** لأنت الفارس الشهم الهمام
فديتك يا بني بأي عيد ******** أسرُّ وشعبنا خسفا يُسام
ألست ترى الضحايا بين قتل ******** وتشريد وقد عز الطعام
ألست ترى المساكن قد تهاوت ***** على السكان لم تُرعَ الذمام
فتسألني …وأمتنا أليست ******** بقبضتها من المجد الزمام
وفي قرآنها من كل سقم ******** شفاء أم هو الموت الزؤام
فهل سارت بعزم أم تراها ******** على الأمجاد يا أبتي تنام
بني لقد نكأت جراح قلبي ******** فليت حديث أمتنا جَمام
بنفسي ذلك الماضي لقوم ******** تعز به الجزيرة والشام
وتشدو في العراق طيور سعد ******** ويمطر عند هارون الغمام
أتى الإسلام يا ولدي فولّت ******** عهود الجهل وانكشف الظلام
وأشرقت البطاح وعز قوم ******** على الإسلام منهجهم يقام
أيا ولدي نزفت دما زكيا******** وإني ما أقلتني العظام
لثمتك والدموع تسيل نهرا ******** وللأنفاس في صدري زحام
وأغمضت الجفون تقول صبرا******** أيا أبتي فقد جاء الحِمام
مررت بهذه الدنيا سريعا ******** كما مروا على الأم الكرام
وداعا يا بني وإن قلبي ******** من الحسرات تنهشه سهام
وما أنا قائل إن جئت أمّا ******** كفاها ما يريد بها السُّقام
وقد كانت مع الجارات تبكي******** كم يبكي طلولا مستهام
فكيف إذا رأت جثمان طفل ******** كبدر لم يزايله التمام
تناسى قومنا أنا جميعا ******** على الإسلام يجمعنا الوئام
فما أصغوا لشكوانا ولكن ******** نراهم أغمضوا جفنا وناموا
يمر العمر والأيام تجري ********ويهجر عيد أمتنا السلام
ألا يا أمتي الغراء هبي ******** جهاد فهو للدين السنام
إذا أنذرت قوما من عدو ******** فما اكترثوا فقد حُلبت صرام*
* حُلبت صرام : مثل عربي قديم معناه " بلغ العذر آخره" أي أخليت المسؤلية.