نفثت دخان سجارتها بتعب وشي من العصبية. لعلها تذكرت شيئا نسيته، أو إتصال . ضروري لابد من القيام به . أرض الغرفة الصغيرة مليئة بالأكياس، وعلب الهدايا. والقصاصات والأوراق، والجرائد . بدت الغرفة في حالة استنفار وتأهب للسفر فتحت الأدراج أكثر من مرة. تبحث عن شيء مجهول، ثمة وصايا تكتنفها تخشى ان . تنساها لعل الوقت المضطرب القصير يسمح بإيصالها لأصحابها . شعرت بالحيرة والارتباك، عبثا حاولت فتح أي موضوع محبب إلى قلبها . لم تبد رغبة بتبادل الحديث لو بإمكاني تجاوز هذا الحاجز الصلد بيننا؟ . أعرفها اسما وشكلا و وأحاديث مقتضبة كلما جمعنا مقام ومقال نشترك فيه . لكني لا أعرف عنها إلا أقل القليل . بدت غامضة للجميع. وسرا استعصى على الآخرين، وبخاصة الرجال لا أجد في سؤالهم إلا تلصلصا على خصوصياتها. يمزقهم الفضول! كيف لإمرأة بكل هذه الثقة والعنفوان إلا تستثير شرقيتهم! ؟ . متمردة ، عنيدة لذلك هي خارج السرب والمألوف . لا أشعر بارتياح ولا عفوية عند التحدث إليها . أهو فارق العمر ، أم الثقافة ، أم البيئة ، أم إختلاف تكويننا الشخصي لعلها اعتادت وضع الحواجز بينها وبين الآخرين . أجد في صديقاتها السماحة والطيبة ، أدخل الى نفوسهم دون استئذان ؟ هل عليها أن تشبه صديقاتها؟ هل آن الأوان لتسافر مجددا ؟ هي والترحال على موعد دائم ! لما ذا الرحيل ؟ أيعذبها السؤال ؟ أم تراها لا تأبه به؟ لماذا الرحيل؟ أهو التعب ؟ أم الهرب؟ أم عدم تحقق الحلم ؟ أم لمجرد الرغبة في التغيير؟ تحزم أمتعتها مجددا ، كما سبق أن حزمتها مرارا وتكرارا. ما الجديد هذه المرة؟ ما وجه الإختلاف؟ ترحل لسماء أخرى، لفضاء آخر، لأناس آخرين. الأحباب ليسوا في الوطن فقط !؟ لماذا الرحيل ؟ كم مرة ساءلت نفسها ذات السؤال ؟ وإذ يبدو البقاء محببا ومهما فالرحيل مهم أيضا . فمن الغربة و البعد تبدو لنا الصورة أوضح وأجمل . في البعد تختفي كل المنغصات الصغيرة، التي تخدشنا . في الوطن كل يوم . تتواري بعض الهموم التي تقض مضجعنا . إنتبهت لا زلت أجلس قبالتها على حافة الكرسي الوحيد القديم وتجلس على السرير أتاملها ، لا أدري كم مضى من الوقت؟ لم نتبادل سوى بضع كلمات فالتة من . موضوعات شتى. لم يستأثر بجلستنا أي حديث شيق أو جذاب في هذا المساء المختلف، والذي لا يشبه غيره من مساءات العمر الماضية، في اللحظة الفاصلة بين زمنين من عمرها، و عمر الوطن المتوثب والمتأهب. تستعد الآن لمغادرته في هذه اللحظات المهوسة إتراه وقتا ملائما للرحيل! ؟ في غرفتها المتواضعة، المعلقة، التي شهدت معها أحداثا كثيرة وكبيرة قبل الجرح . وبعده . إبان تأجج الخلايا، وترقرق الحنين ،ثم إبان إنطفاء الجذوة، و تكوم الرماد شنط بانتظار الحزم، وهدايا مبعثرة، بانتظار ان تصل لأصحابها. فلربما انتظروها . طويلاا . وبقايا صغيرة جدا بحاجة للتشطيب تقفلها بعد قليل . هل بإمكانها ان تقفل باب القلب أيضا؟ في هذا المساء المختلف تلملم جراحها وأشياءها. تتذكر كلما رغبت في النسيان . . سألتها عن موضوع الساعة والذي يؤرقها . **صدمت في كثيرين، أرجوك لا أود التحدث عن أي شي ! صمت محرج وثقيل حل علي ّ. لعلها على حق ترحل إذا! كيف يبدو الوطن في الغربة؟ ينكمش! يرتد نحو الداخل . يصبح . بحجم القلب ! يتشرب خلايانا، يغمرنا . ما أن نفتح أعيننا حتى نراه غادرتها مودعة. تمنيت لو بإمكاني التحليق مثلها عاليا وبعيدا . بعيدا عن . كل شيء _____