الشعر العربي في بلاد الاندلس
( مراثي الاندلس)
الاندلس هذه الروضة الفينانة عربها العرب بعد دخولهم لها فاتحين ونشروا العلم
والمعرفة والعرفان فيها فاصبحت جنة الدنيا
ونجمة الارض تسطع في نور العلم والادب مئات من السنين الا انه تجمع
الصليبيون من جديد لأ عادتها لحاضرتهم وطرد
المسلمين العرب منها وكان هؤلاء قد دب الشقاق فيما بينهم فاصبحوا دويلات
وطوائف بدلا من دولة واحدة مستقرة قوية وتفرقوا
ليقع الجميع في قبضة اعدائهم اذ قضوا عليهم بايجاد النزاع فيما بينهم ويث الفرقة
و التطاحن بين هذه الدويلات والممالك فاقتتل
الاخوة فيما بينهم شديدا وطويلا حتى اذا ضعف الجميع احاطوا بهم من كل صوب فقضوا عليهم
وافضل ما انتشر في هذه البلاد وظل تراثا خالدا هو الشعر العربي اذ تطور
فيها كثيرا بحيث كان فيها الاف من الشعراء فيهم
فحول الشعرالعربي كابن زيدون والمعتمد بن عباد وابن عبدون
وغيرهم كثير فكل شيء ذهب وتلاشى الا الشعر الاندلسي فلا زال
وسيبقى نبراسا للشعر العربي .
ان السمة و الحالة الافضل لدى الشعراء العرب قديما وحديثا انهم يحنون
الى ماضي مجد امتهم فقد ذهبت الاندلس وعادت لتنام
في ظلم وغياهب الجهل الاوربي انذاك وشرد العرب وقتلو ا شر قتل
لامثيل له في التاريخ الا انهم احتفظت ذاكرتهم بمجد هذه
البلاد وكيف عمروها اكثر من اهلها الاصلاء وذكرالشعراء كل صغيرة
وكبيرة في قصائدهم وموشحاتهم التي اضحت من روائع
الادب العربي بل والعالمي ايضا .
بعد ضياع الاندلس وجد في الشعر غرض جديد او قل فن جديد من فنون الشعر
الا وهو رثاء الاتدلس او هو بالاحرى رثاء
الممالك والمدن وكا ن هذا الفن من اهم الاغراض الشعرية حيث كان مواكبًا لحركة الإيقاع السياسي
راصدًا لأحداثه مستبطنًا
دواخله ومقومًا لاتجاهاته.
وكان قد ا ثبت سلبيات المجتمع الأندلسي بسبب ما انغمس فيه الناس في حياة اللهو والترف.
فالصوت الشعري لرثاء الأندلس
يخالف الأصوات الشعرية الأندلسية الأخرى التي ألفها أهل الأندلس في الموشحات ووصف الطبيعة
و في الغزل وبقية الأغراض
الأخرى. فقد كان سقوط مدينة( طليطلة) في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة؛
فهي أول بلد إسلامي يدخله الفرنسيون
وكان هذا يمثل مصابا عظيما هزّ النفوس هزًا عميقًا. يقول شاعر مجهول يرثي طليطلة في قصيدة مطلعها:
لثُكلكِ كيف تبتسم الثغور
سرورًا بعدما سبيت ثغور
طليطلة أباح الكفر منها
حماها إنّ ذا نبــأ كبـــير
ثلاث قصائد رائعة
اما الاولى فهي للشاعر عبد المجيد بن عبدون أبو محمد الفهري فقد روي
عن أبي عاصم بن أيوب وأبي مروان بن سراج والأعلم
الشنتمري ان ابن عبدون توفي سنة عشرين وخمسمائة هجرية وكان أديبا شاعرا كاتبا مترسلا
عالما بالخبر والأثر ومعاني الحديث
وقد أخذ الناس عنه وله مصنف في الانتصار لأبي عبيد على ابن قتيبة
ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك بني الأفطس
اذ يحشد ابن عبدون الكثير من أحداث التاريخ وتقلباته ويحكي ما أصاب الدول والممالك
من مآسٍ ومحن متخذا من ذلك سبيلا
للعظة والتأسي. وتمتاز القصيدة على طولها بحدسية تاريخية شعرية قوية وعاطفة جياشة يقول فيها:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح والصور
أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة
عن نومة بين ناب الليث والظفر
فالدهر حرب وإن أبدى مسالمة
والبيض والسود مثل البيض والسمر
ولا هوادة بين الرأس تأخذه
يد الضراب وبين الصارم الذكر
فلا تغرنك من دنياك نومتها
فما صناعة عينيها سوى السهر
ما لليالي أقال الله عثرتنا
من الليالي وخانتها يد الغير
في كل حين لها في كل جارحة
منا جراح وإن زاغت عن النظر
تسر بالشيء لكن كي تغر به
كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر
كم دولة وليت بالنصر خدمتها
لم تبق منها وسل ذكراك من خبر
هوت بدارا وفلت غرب قاتله
وكان عضباً على الأملاك ذا أثر
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت
ولم تدع لبني يونان من أثر
وألحقت أختها طسماً وعاد على
عاد وجرهم منها ناقض المرر
وما أقالت ذوي الهيئات من يمن
ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
ومزقت سبأ في كل قاصية
فما التقى رائح منهم بمبتكر
وأنفذت في كليب حكمها ورمت
مهلهلاً بين سمع الأرض والبصر
ولم ترد على الضليل صحته
ولا ثنت أسداً عن ربها حجر
ودوخت آل ذبيان وإخوتهم
عبساً وغصت بني بدر على النهر
وألحقت بعدي بالعراق على
يد ابنه أحمر العينين والشعر
وأهلكت إبرويزاً بابنه ورمت
بيزدجرد إلى مرو فلم يحر
وبلغت يزدجرد الصين واختزلت
عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر
ولم ترد مواضي رستم وقنا
ذي حاجب عنه سعدا في ابنه الغير
يوم القليب بنو بدرفنوا وسعى
قليب بدر بمن فيه إلى سقر
ومزقت جعفراً بالبيض واختلست
من غيله حمزة الظلام للجزر
وأشرفت بخبيت فوق فارعة
وألصقت طلحة الفياض بالعفر
وخضبت شيب عثمان دماً وخطت
إلى الزبير ولم تستح من عمر
ولا رعت لأبي اليقظان صحبته
ولم تزوده إلا الضيح في الغمر
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن
وأمكنت من حسين راحتي شمر
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة
فدت علياً بمن شاءت من البشر
وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن
أتت بمعضلة الألباب والفكر
فبعضنا قائل ما اغتاله أحد
وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر
وأردت ابن زياد بالحسين فلم
يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر
وعممت بالظبي فودي أبي أنس
ولم ترد الردى عنه قنا زفر
أنزلت مصعباً من رأس شاهقة
كانت بها مهجة المختار في وزر
ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا
راعت عياذته بالبيت والحجر
وأعملت في لطيم الجن حيلتها
واستوسقت لأبي الذبان ذي البخر
ولم تدع لأبي الذبان قاضبه
ليس اللطيم لها عمرو بمنتصر
وأحرقت شلو زيد بعدما احترقت
عليه وجداً قلوب الآي والسور
وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم
تبق الخلافة بين الكأس والوتر
حبابه حب رمان أتيح لها
واحمر قطرته نفحة القطر
ولم تعد قضب السفاح نائبة
عن رأس مروان أو أشياعه الفجر
وأسبلت دمعة الروح الأمين على
دم بفخ لآل المصطفى هدر
وأشرقت جعفراً والفضل ينظره
والشيخ يحيى بريق الصارم الذكر
وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت
لجعفر بابنه والأ عبد الغدر
وما وفت بعهود المستعين ولا
بما تأكد للمعتز من مرر
وأوثقت في عراها كل معتمدٍ
وأشرقت بقذاها كل مقتدر
وروعت كل مأمون ومؤتمن
وأسلمت كل منصور ومنتصر
وأعرثت آل عبّاد لعاً لهم
بذيل زباء لم تنفر من الذعر
بني المظفر والأيام لا نزلت
مراحل والورى منها على سفر
سحقاً ليومكم يوماً ولا حملت
بمثله ليلة في غابر العمر
من للأسرة أو من للأعنة أو
من للأسنة يهديها إلى الثغر
من للظبي وعوالي الخط قد عقدت
أطراف ألسنها بالعي والحصر
وطوقت بالمنايا السود بيضهم
فأعجب لذاك وما منها سوى الذكر
من لليراعة أو من للبراعة
أو من للسماحة أو للنفع والضرر
أو دفع كارثة أو ردع آزفة
أو قمع حادثة تعيا على القُدر
ويب السماح وويب البأس لو سلما
وحسرة الدين والدنيا على عمر
سقت ثرى الفضل والعباس هامية
تعزى إليهم سماحاً لا إلى المطر
ثلاثة ما أرى السعدان مثلهم وأخبر
ولو غززوا في الحوت بالقمر
ثلاثة ما ارتقى النسران حيث رقوا
وكل ما طار من نسر ولم يطر
ثلاثة كذوات الدهر منذ نأوا عني
مضى الدهر لم يربع ولم يحر
ومر من كل شيء فيه أطيبه
حتى التمتع بالآصال والبكر
أين الجلال الذي غضت مهابته
قلوبنا وعيون الأنجم الزهر
أين الإباء الذي أرسوا قواعده
على دعائم من عز ومن ظفر
أين الوفاء الذي أصفوا شرائعه
فلم يرد أحد منها على كدر
كانوا رواسي أرض الله منذ مضوا
عنها استطارت بمن فيها ولم تقر
كانوا مصابيحها فمذ خبوا عثرت
هذي الخليقة يا لله في سدر
كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خدع
منه بأحلام عاد في خطى الحضر
ويل أمه من طلوب الثأر مدركه
منهم بأسد سراة في الوغى صبر
من لي ولا من بهم إن أظلمت
نوبٌ ولم يكن ليلها يفضي إلى سحر
من لي ولا من بهم إن عطلت
سنن وأخفيت ألسن الآثار والسير
من لي ولا من بهم إن أطبقت محنٌ
ولم يكن وردها يدعو إلى صدر
على الفضائل إلا الصبر بعدهم
سلام مرتقب للأجر منتظر
يرجو عسى وله في أختها أمل
والدهر ذو عقب شتى وذو غير
قرطت آذان من فيها بفاضحة
على الحسان حصى الياقوت والدرر
سيارة في أقاصى الأرض قاطعة
شقاشقاً هدرت في البدو والخضر
مطاعة الأمر في الألباب قاضية
من المسامع ما لم يقض من وطر
ثم الصلاة على المختار سيدنا
المصطفى المجتبى المبعوث من مضر
والآل والصحب ثم التابعين له
ما هب ريح وهل السحب بالمطر
_____________
اما القصيدة الثانية فهي نونية أبي البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي
المتوفي سنة -684 هـ - 1285 م) و هو من أبناء
(رندة) قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس وإليها نسبته. وقيل انه من حفظة الحديث وانه من الفقهاء ايضا وقد كان بارعا في نظم
الكلام شعرا ونثرا . وكذلك أجاد في المدح والغزل والوصف والزهد.
إلا أن شهرته تعود إلى قصيدة نظمها بعد سقوط عدد من
المدن الأندلسية. وفي قصيدته التي نظمها ليستنصر أهل العدوة الإفريقية من المرينيين
عندما أخذ ابن الأحمر محمد بن يوسف أول
سلاطين غرناطة في التنازل للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم
وأملا في أن يبقونه في حكمه غير المستقر في
غرناطة وتعرف قصيدته بمرثية الأندلس... فهي واسطة العقد في شعر رثاء المدن
وأكثر نصوصه شهرة وأشدها تعبيرا عن
الواقع. فهي ترثي الأندلس فتصور ما حلّ بالأندلس من خطوب جليلة لا عزاء
فيها ولا تأسٍ دونها وكيف ضاعت قرطبة دار
العلوم، وإشبيليا مهد الفن، وحمص مهبط الجمال،وكيف سقطت أركان الأندلس واحدة تلو الأخرى،
وكيف أَقفرت الديار من الإسلام
فصارت المساجد كنائس وغدا صوت الأذان صوت ناقوس!،
ثم يهيب أبو البقاء الرندي بفرسان المسلمين عبر عدوة البحر إلى
المسارعة لنجدة الأندلس والمسلمين. والقصيدة بعنوان رثاء الاندلس يقول فيها:
لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ
فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ
هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ
مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد
ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شان
يُـمزق الـدهر حـتمًا كل سابغةٍ
إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ
ويـنتضي كـلّ سيف للفناء ولوْ
كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ
وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ ؟
وأيـن مـا شـاده شـدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟
وأيـن مـا حازه قارون من ذهب
وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطانُ ؟
أتـى عـلى الـكُل أمر لا مَرد له
حـتى قَـضَوا فكأن القوم ما كانوا
وصـار ما كان من مُلك ومن مَلِك
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الـزّمانُ عـلى (دارا) وقاتِلِه
وأمَّ كـسـرى فـما آواه إيـوانُ
كـأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
يـومًا ولا مَـلكَ الـدُنيا سُـليمانُ
فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعة
ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ
ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها
ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً)
وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبة)ٌ دارُ الـعلوم فكم
مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما
عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ
تـبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ
كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ
عـلى ديـار مـن الإسلام خالية
قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ
مافـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يـا غـافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
ومـاشيًا مـرحًا يـلهيه مـوطنهُ
أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟
تـلك الـمصيبةُ أنـستْ ما تقدمها
ومـا لـها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يـا راكـبين عتاق الخيلِ ضامرةً
كـأنها فـي مـجال السبقِ عقبانُ
وحـاملين سـيُوفَ الـهندِ مرهفةُ
كـأنها فـي ظـلام الـنقع نيرانُ
وراتـعين وراء الـبحر في دعةٍ
لـهم بـأوطانهم عـزٌّ وسـلطانُ
أعـندكم نـبأ مـن أهـل أندلسٍ
فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قـتلى وأسـرى فما يهتز إنسان؟
لمـاذا الـتقاُطع في الإسلام بينكمُ
وأنـتمْ يـا عـبادَ الله إخـوانُ ؟
ألا نـفـوسٌ أبَّـياتٌ لـها هـممٌ
أمـا عـلى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يـا مـن لـذلةِ قـومٍ بعدَ عزِّهمُ
أحـال حـالهمْ جـورُ وطُـغيانُ
بـالأمس كـانوا ملوكًا في منازلهم
والـيومَ هـم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فـلو تـراهم حيارى لا دليل لهمْ
عـليهمُ مـن ثـيابِ الـذلِ ألوانُ
ولـو رأيـتَ بـكاهُم عـندَ بيعهمُ
لـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحزانُ
يـا ربَّ أمّ وطـفلٍ حـيلَ بينهما
كـمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت
كـأنـما هي يـاقـوتٌ ومـرجـانُ
يـقودُها الـعلجُ لـلمكروه مكرهةً
والـعينُ بـاكيةُ والـقلبُ حيرانُ
لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ
إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
_______________
اما القصيدة الثالثة فهي للشاعرعبد الله محمد محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي
المعروف بابن الأبار والمتوفي سنة 658
هجرية - 1260ميلادية وهو مؤرخ وشاعر أندلسي وكان عالماً في الفقه والحديث, بصيراً بالرجال والتاريخ,
مُِجيداً في البلاغة
والإنشاء, عمل في دوواوين الكتابة لبعض ولاة الموحدين, ولد ب(بلنسية )بالأندلس دخل في خدمة بني عبد المؤمن،
وفي 635
هـ أوفده زيان بن مردنيش إلى أبي زكريا الحفصي سلطان تونس الذي دخل في خدمته فيما بعد .
رحل عن بلنسية عندما احتلها الإفرنج واستقر بتونس ودخل في خدمة أبو زكريا
و عندما مات أبو زكريا خلفه ابنه المستنصر فرفع
مكانته الا ان حساده كثروا وقيل انهم نظموا بياتا من الشعر باسم ابن الابار
يعيب فيها الخليفة المتنتصر ويهجوه فامر بقتله . وهذه
القصيدة هي \
أدركْ بـخـيــلــك خـــيـــل الله أنــدلــســا
إن السـبـيـل إلــــى منـجـاتـهـا دَرَسَــــا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست
فلـم يــزل مـنـك عــز النـصـر ملتمَـسـا
وحــــاشِ مــمــا تـعـانـيـه حُـشـاشـتـهـا
فطالـمـا ذاقــت البـلـوى صـبـاح مـســا
يــا للجـزيـرة أضـحــى أهـلـهـا جـــزرا
ًلـلـحـادثـات وأمــســى جــدهــا تـعـســا
فــــي كــــل شــارقــة إلــمــام بـائــقــة
يـعـود مأتـمـهـا عـنــد الـعــدى عُـرُســا
وكـــــل غــاربـــة إجـــحـــاف نــائــبــة
تثنـي الأمـان حِــذاراً والـسـرور أســى
تـقـاسـم الـــروم لا نـالــت مقـاسِـمُـهـمإ
لا عـقـائـلـهـا الـمـحـجـوبـة الأنـــســـا
وفـــــي بـلـنـسـيـةٍ مـنــهــا وقــرطــبــةٍ
ما ينسف النفْـس أو مـا ينـزف النَّفَسـا
مــدائــنٌ حـلـهــا الإشــــراك مبـتـسـمـاً
جـــذلان وارتـحــل الإيــمــان مبـتـئـسـا
وصيّـرتـهـا الـعــوادي العـابـثـات بـهــا
يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسـا
فـمـن دسـاكـر كـانــت دونـهــا حـرســا
ومـــن كـنـائـس كـانــت قبـلـهـا كـنـسـا
يـــا للمـسـاجـد عـــادت لـلـعـدى بـيـعــا
ًولـلـنــداء غـــــدا أثـنــاءهــا جَــرَســـا
لهـفـي عليـهـا إلــى استـرجـاع فائتـهـا
مـدارســاً للمـثـانـي أصـبـحـت دُرُســــا
وأربُــعٍ نمـنـمـت يـمـنـى الـربـيـع لـهــا
مــا شـئـت مــن خِـلَـعٍ مَوْشـيّـة وكُـسَـا
كــانــت حــدائــق لــلأحــداق مـونــقــة
فصَـوَّحَ النضـرُ مــن أدواحـهـا وعـسـا
وحـال مــا حولـهـا مــن منـظـر عـجـب
يستجلـس الركـب أو يستركـب الجُلُسـا
سرعان ما عاث جيش الكفـر وا حربـا
عيـث الدَّبَـى فـي مغانيهـا الـتـي كبـسـا
وابـــتـــز بــزتــهــا مـــمـــا تـحـيَّـفــهــا
تحيُّـف الأســد الـضـاري لـمـا افتـرسـا
فـأيـن عـيـشٌ جنـيـنـاه بـهــا خـضــراً؟!
وأيــن غـصـن جنيـنـاه بـهــا سـلـسـا؟!
مـحــا محاسـنَـهـا طــــاغٍ أتــيــح لــهــا
مـا نـام عـن هضمهـا يـومـاً ولا نعـسـا
ورجّ أرجــاءهــا لــمــا أحـــــاط بــهـــا
فـغـادر الـشُّـم مـــن أعـلامـهـا خُـنُـسـا
خــلا لــه الـجــو فـامـتـدت يـــداه إلـــى
إدراك مــا لــم تـطـأ رجـــلاه مختـلـسـا
وأكــثــر الــزعــم بالتـثـلـيـت مـنـفــرداً
ولــو رأى رايــة التـوحـيـد مـــا نـبـسـا
صِـلْ حبلهـا أيهـا المولـى الرحيـم فـمـا
أبقـى الـمـراس لـهـا حـبـلا ولا مـرسـا
وأحـــي مـــا طـمـســت مــنــه الــعــداة كما
أحييت من دعوة المهدي ما طمسا
اـــامَ سِـــرْتَ لـنـصـر الـحــق مقتـبـسـاً
وبــتَّ مــن نــور ذاك الـهـدي مقتـبـسـا
وقــمــت فـيـهــا بــأمــر الله مـنـتـصـرا
كالصـارم اهتـز أو كالعـارض انبجـسـا
تمحـو الـذي كتـب التجسـيـم مــن ظـلـمٍ
والـصـبـح مـاحـيــة أنــــواره الـغـلـسـا
وتقـتـضـي الـمـلــك الـجـبــار مـهـجـتـه
يـوم الوغـى جـهـرة لا تـرقـب الخلـسـا
هــذي وسائلـهـا تـدعــوك مـــن كـثــب
وأنـــت أفـضــل مـرجــوّ لـمــن يـئـســا
وافَــتْــكَ جــاريــةً بـالـنـجــح راجــيـــةً
منـك الأمـيـرَ الـرضـا والسـيـدَ النَّـدِسـا
خـاضـت خـضـارة يعلـيـهـا ويخفـضـهـا
عـبـابـه فـتـعـانـي الـلـيــن والـشـرَســا
وربــمــا سـبـحــت والــريـــح عـاتــيــة
كـمـا طـلـبـتَ بـأقـصـى شـــده الـفـرسـا
تـؤم يحيـى بـن عبـد الـواحـد بــن أبــي
حـفــص مقـبّـلـة مـــن تـربــه الـقـدسـا
مــلـــك تـقــلــدت الأمـــــلاك طـاعــتــه
ديـنـا ودنـيــا فغـشـاهـا الـرضــا لـبـسـا
مــن كــل غــادٍ عـلـى يمـنـاه مستـلـمـا
وكـــل صـــادٍ إلــــى نـعـمــاه ملـتـمـسـا
مــؤيــد لــــو رمــــى نـجــمــاً لأثـبــتــه
ولــو دعــا أفـقـا لـبــى ومـــا احتـسـبـا
تالله إن الـــذي تُـرجَــى الـسـعـودُ لــــهم
ما جال في خـلـد يومـاً ولا هجسـا
إمــــارة يـحــمــل الـمــقــدار رايـتــهــا
ودولـــة عِـزُّهــا يستـصـحـب الـقـعـسـا
يبـدي النـهـار بـهـا مــن ضـوئـه شنـبـا
ويـطـلـع الـلـيـل مـــن ظلـمـائـه لَـعَـسـا
مـاضـي العزيـمـة والأيــام قـــد نـكـلـت
طلـق المحيـا ووجـه الدهـر قـد عبـسـا
كــأنـــه الــبـــدر والـعـلـيــاء هــالــتــه
تحـف مـن حولـه شـهـب القـنـا حـرسـا
تدبـيـره وســـع الـدنـيـا ومـــا وسـعــت
وعرف معروفـه واسـى الـورى وأسـا
قامـت علـى العـدل والإحسـان دعـوتـه
وأنشـرت مـن وجـود الجـود مـا رمسـا
مـــبـــاركٌ هـــديـــه بــــــادٍ سـكـيـنــتــه
مــا قــام إلا إلـــى حـسـنـى ولا جـلـسـا
قــــد نــــوَّر الله بـالـتـقــوى بـصـيـرتــه
فـمـا يبـالـي طــروق الخـطـب ملتـبـسـا
َبَــرى العـصـاةَ وراش الطائعـيـن فـقـل
فـي الليـث مفترسـا والغـيـث مرتجـسـا
ولـــم يـغــادر عـلــى سـهــل ولا جـبــل
حــيّـــاً لـقــاحــاً إذا وفــيــتَــه بَــخَــســا
فـــرُبَّ أصــيــدَ لا تـلـفــي بــــه صَــيَــداً
ورُبّ أشـــوسَ لا تـلـقـى لـــه شــوســا
إلــى المـلائـك ينـمـى والـمـلـوك مـعــاً
فـي نبـعـة أثـمـرت للمـجـد مــا غـرسـا
مـن ساطـع النـور صــاغ الله جـوهـره
وصـــان صيـغـتـه أن تـقــرب الـدنـســا
لـــه الـثــرى والـثـريـا خـطـتــان فــــلا
أعــز مــن خطتـيـه مــا سـمــا ورســـا
حسب الـذي بـاع فـي الأخطـار يركبها
إلـيــه مَـحْـيـاه أن الـبـيـع مـــا وكــســا
إن السـعـيـد امـــرؤ ألـقــى بـحـضـرتـه
عـصــاه محـتـزمـاً بـالـعـدل مـحـتـرسـا
فـظــل يـوطــن مـــن أرجـائـهـا حـرمــا
وبـــات يـوقــد مـــن أضـوائـهـا قـبـسـا
بشـرى لعبـد إلـى الـبـاب الكـريـم حــدا
آمـالـه ومــن الـعــذب المـعـيـن حـســا
كـأنـمــا يـمـتـطـي والـيـمــن يـصـحـبــه
مـــن الـبـحـار طـريـقـا نــحــوه يـبـســا
فاستـقـبـل الـسـعـد وضــاحــا أســرَّتــه
من صفحة غاض منها النور فانعكسـا
وقــبّـــل الــجـــودَ طـفــاحــاً غــواربـــه
من راحة غاص فيهـا البحـر فانغمسـا
يــا أيـهـا المـلـك المنـصـور أنــت لـهـا
علـيـاء تـوسـع أعــداء الـهـدى تعـسـا
وقـــد تـواتــرت الأنــبــاء أنــــك مَــــنْ
يُحـيـي بقـتـل مـلــوك الـصـفـر أنـدلـسـاً
طـهّــر بـــلادك مـنـهــم إنــهــم نــجــس
ولا طـهـارة مـــا لـــم تـغـسـل النـجـسـا
وأوطِـــئ الفـيـلـق الــجــرار أرضــهــم
حـتـى يطـاطِـئ رأســاً كــل مــن رأســا
وانصـر عبيـداً بأقصـى شرقهـا شرقـت
عيونـهـم أدمـعـاً تهـمـي زكـــاً وخَـسَــا
فامـلأ، هنيـئـاً لــك التمكـيـن، ساحتـهـا
جُـــرْداً ســلاهــب أو خَـطّـيّــة دُعُــســا
واضــرب لـهـا مـوعـداً بالفـتـح ترقـبـه
لعـل يــوم الأعــادي قــد أتــى وعـسـى
_________