استيقظت
مذعورة كمن لدغها ثعبان، تفقدت الأشياء في بيتها الصغيركل شيء على مايرام ،
كل شيء كما رتبته ووضعته، كلهم نائمون في هدوء وسكينة. راحت تبحث
كالمجنونة أين وضعتها ؟ اين وضعتها؟ غير مرة طرقت الغرفة جيئة وذهابا ،
الصالة ، غرف لأطفال ، لاشيء . مالذي جعلها تتذكر الآن ؟ في هذه اللحظة
بالذات ؟ كان يوم الأمس عاديا كر وتينه المعتاد ، وأول أمس كذلك ، وقبل
أسبوع من ذلك الحياة تسير على وتيرة واحدة. منذ زمن لم تلتق بأحد ينبش
حلمها القديم، حلمها الذي نسيه القريبون منها ونسيته هي أو أجبرت على
تناسيه.ما لازالت تواصل بحثها المحموم ، لابد أن أجدها الآن ! وبينما هي
ساهمة قفزت وصفقت يدا بيد تذكرت ! أتراها ما لازالت مكانها بعد مضي كل تلك
السنين !
بسرعة أحضرت كرسيا ووقفت فوقه ، تبا لكل تلك الأشياء المكدسة! كيف ؟ ومتى
؟تجمعت هنا!؟ أنني متأكدة إنني وضعتها هنا، قذفت تباعا بالأشياء على ارض
الغرفة الى أن عثرت أخيرا على ضالتها !
ثمة مغلف تمزق ورقه وكساه الغبار الكثيف .. نزلت من على الكرسي وافترشت
الأرض ، راحت تمسح عنها الغبار بلهفة هاهي أخيرا لم تبهت الوانها كثيرا
بالرغم من مضي ستة عشر عاما ، ستة عشر عمرها مضاعفا وعمر اللوحة.
إحتضنتها بينما اغرورقت عيناها بالدموع. لوحة لم تكتمل لم تزل تلك الصور
محفورة في مخيلتها ، كانت اللوحة لا تفارقها ، ترسم خطا وتعود ، تتركها
وتعود اليها ، صباح ذلك اليوم طريا طازجا كإنما حدث توا حين فاجئها ألم
المخاض ، تلوت من الألم ، بين طلقة وأخرى كانت عيناها لا تفارق اللوحة ،
قالت لنفسها بعد قليل ساذهب للمستشفى ، ماذا سيحل باللوحة ، وفي إنحسار
نوبة ألم الطلقة غلفت اللوحة بسرعة وأخفتها على سقف دولاب الملابس ، ساعود
إليها بعد الولادة والعودة للبيت . ولم يدر بخلدها انها ستنسى هذه اللوحة
عمرا بأكملة، وأن الأمومة ستأخذها في رحلة طويلة ، ذات دهاليز وعرة
ومتعرجة .
حين أنجبت إبنها البكر لم تكن قد تجاوزت بعد عامها السابع عشر .
وقبل أن تدرك معنى الزواج فوجئت بنفسها تصبح أما بعد مرور أقل من عام على
الزواج. جاء الأبن الأول فالثاني والثالث والرابع ، وهكذا دواليك.
فوجدت نفسها غارقة في بحر من المسؤليات الجسام ، تحمل الطفل ،ترضعه ،
تحممه ، تشتري حاجياته ، وحاجات البيت وحاجات الزوج ، حبها الكبير ،
جعلها تتحمل كافة المسؤليات.
أتراها أحبته فعلا ! ابن الجيران أم توهمت الحب كبنت مراهقة يسمعها لأول
مرة شاب كلمات الغزل. ياله من سؤال غبي ؟ فإبن الجيران أصبح الآن زوجها
وأبو اولادها ورب أسرتها الكبيرة. ما ان تفتحت ورودها حتى وجدته أمامها
أول رجل أهتم بها، واسمعها كلاما جميلا. لربما شجعه جمالها وملامحها
المنحدرة من أصول فارسية على الارتباط بها سريعا .
في بداية الزواج كان غارقا في دراسته ، ثم في عمله. الى ان حصل على منصبا
كبيرا وعملا مرموقا. في بداية الأمر كانت تحسب ان إنشغاله مؤقتا بسبب
الدراسة والبحث عن الوظيفة المناسبة، ولم تدرك إلا متأخرا إن زوجها
إعتاد الإعتماد عليها بل أدمنه. مكرسا وقته بالكامل لعمله وغارقا فيه،
ومختصرا ومقتصرا دوره الأسري على التمويل .
إما براعمها فقد شقوا لهم أهدافا في الحياة ، وقل إعتمادهم عليها ، ولأول
مرة تجد فسحة صغيره من الوقت تأخذها نحو دوامة هائلة من الأسئلة .
إتنبهت لنفسها وهي لازالت تفترش الأرض وسط الأشياء المعبثرة ، تذكرت لوحات
أخرى عديدة ، مركونة في مخزن البيت يغطيها التراب ، تذكرت معلماتها ،
اللواتي كن يشجعنها دائما ويتوقعون لها مستقبلا باهرا. صحيح ان اولادها
اضحوا مميزين ذوي مواهب عديدة. لكن ذلك لم ينسها لوحتها المعلقة ؟ دهشت
لمضي كل تلك السنين دون ان تجد لنفسها ولو فسحة صغيرة من الوقت تجلس
فيها بين الوانها وفرشاتها! أنتفضت واقفة.