ابن جيراننا زياد هذا الطفل الجميل والمهذب, عند قدومه سرعان ما يتحول منزلنا من موحش وخال إلى أرض كرنفال يعج بالضحكات والمرح.
كنت أفرح كثيراً لقدومه, ألعب معه كطفلة فقدت ألعابها ثم وجدتها فجأة. أنسى حزني و وحدتي عند رؤيته, وعند رؤيته أتناسى كل شعاراتي ومناداتي باستقلاليتي وبأنني نضجت.!
ألعب دون أن أتذكر ألعابي عندما كنت في مثل عمره في منزل جدتي, ألعب فقط..
لم أكن أتذكر صراخها وشتمها لي عندما أجري في أرجاء المنزل, ألعب فقط..
لم أكن أتذكر كلماتها الموجعة التي لم اعي معانيها حتى الآن, ألعب فقط..
أحببني كثيرا, وأحببته أكثر.
غضبت منه والدته ووبخته كثيرا بسبب طول بقائه في منزلنا وإهماله لدروسه وواجباته.
جاءني يبكي, قال لي بأنه لن يعود إلى أهله وبأنه وسوف يذهب بعيداً حيث لن يجده أحد, تذكرت هذه العبارات, كأنني قلتها لنفسي من قبل !! قلتها لنفسي فقط ولأسباب مختلفة كلياً.
تحدثت مع والدته واتفقنا بأن يأتي إلي بعد كل صلاة مغرب و حتى أذان العشاء كحل سلمي بينهما عله لا يفكر في الهجرة مرة أخرى.
كان بعد كل صلاة مغرب يحمل كتبه ويخبر والدته بأنه ذاهب إلى منزلنا لأساعده في حل واجباته.
قال لي ضاحكاً بأنه يتمنى لو أن الصلوات كلها تصبح مغرب.!! لكي يتمكن من القدوم إلى منزلنا بعد كل صلاة ضحكت كثيراً من أمنيته هذه يومها.
كنت أأخذه معي إلى المرسم أعطيه لوحة وفرشاه وفي كل مرة كان يرسم طيورا.
أخبرني بأنه يحب الطيور كثيرا ويدعوا الله بأن يصبح طائراً لكي يتمكن من الطيران.
في عيد ميلاده التاسع أحضرت له قفص بداخله ثلاثة عصافير, فرح بها كثيرا وقال بأنه سيبحث لها عن أسماء تناسبها.
بعد فترة قصيرة مرض زياد بمرض مفاجئ, سرعان ما تدهورت حالته لم يعد يستطيع التنفس بشكل طبيعي.
ذات مساء جاءني اتصال من والدته أخبرتني بأنهم سيسافرون بحثا عن العلاج وبأن زياد يود رؤيتي قبل أن يغادر.
ذهبت إليه, وجدته مستلقي على سريره,, من كان يجري حولي ويلعب ويقفز هنا وهناك لا يستطيع تحريك ذراعه بسهوله
جهاز الأوكسجين كان يخنقني ويخنقه, وجهه شاحب وابتسامته مؤلمة.
طلب مني بأن أأخذ عصافيره وأهتم بها لحين عودته قال لي: لن أتأخر, كان مبتسما..
حملت القفص معي ومشيت دون وعيي لا أعلم كيف عدت إلى المنزل..
كان الحزن والألم يعصران قلبي.
سافر زياد وبقيت أنا مع طيوره التي لم يطلق عليها مسميات بعد, رتبت جدول لرعايتها و إطعامها و عاد منزلنا لوحشته, وعدت لحزني ووحدتي.
في اليوم السابع من مغادرة زياد شعرت بأنه يوم ليس كباقي الأيام, الوقت لا يمر .. نظرت إلى الساعة إذا بها تشير إلى الرابعة, بقي الكثير على موعد إطعام الطيور,ذهبت إلى مرسمي علي أجد ما يزيح عني شيئا من حزني
رأيت لوحات زياد, تأملتها كثيرا وطويلا. كان يضعها في الجهة اليمنى للمرسم بشكل منظم, وفي كل مرة يرسم فيها لوحة, يقارنها بسابقاتها ويختار منها الأجمل
كانت جميعها في نظري جميلة, وجميعها تحمل هذا الطائر ذو اللون الأزرق!
فجأة إذا بالمساجد قد على صوتها.؟
انه أذان المغرب؟؟
نظرت إلى ساعتي, كانت تشير إلى الرابعة أيضاً ! لقد توقفت.
لقد تأخرت كثيرا على إطعام الطيور عندما نظرت إلى القفص كان خاليا
تقدمت خطوتين وإذا بها كالنائمة.............
مسكت دموعي داخل عيني, وأنا ألوم نفسي وألعن ساعتي المتوقفة
نظرت إلى جهاز الجوال عل ساعته لم تخني أيضاً و إذا برسالة من والدة زياد "لقد توفي زياد عصر اليوم" لم أزل أبكي عند سماعي صوت أذان المغرب, ولم تزل ساعتي تشير إلى الرابعة.