الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحل الطيبات وحرم الخبائث ، والصلاة والسلام على رسوله الذي بلغ القرآن فكان لنا خير غائث ، وبعد
قبل أن نحكم على الدخان هل هو حلال أم حرام ، يجب أن نوضح منهجنا في استنباط الأحكام الشرعية من كتاب الله سبحانه وتعالى.
نقول أولا: ما لم ينص على تحريمه في القرآن فهو من المباح والحلال كقاعدة
ثانيا: أن التحريم يأخذ من القرآن بنص ، وما ليس فيه نص فلا يمكن أن نطلق عليه لفظ محرم ، ولكن قد يكون النص صريحا ، أي يصرح باسم الشيء المحرم كقول&ar;ه تعالى "انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله... الآية" البقرة 173 ، وكقوله تعالى"وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما" المائدة 96 ، وقد يكون تحريم الأشياء أو الأفعال بصفتها ، كقوله تعالى"قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون" الأعراف 33 ، ونفهم من هذه الآية تحريم (الفواحش) وتحريم (الاثم) ، وتحريم (البغي) وتحريم (الشرك) ، فكل ما تعارف عليه الناس أنه فاحشة أصبح محرما حتى ولو لم يذكر التحريم تصريحا ، فمثلا لو تعرض أحدهم لأنثى على وجه يخدش حيائها بالقول البذيئ ، سنسمي هذا الفعل فاحشة ونضعه تحت المحرمات ولو لم يذكرالتحريم لهذه الحالة بشكل صريح في القرآن ، ولو تعدى أحد الشريكين على شريكه الآخر سنسمي الفعل (بغي) ونعتبره محرما حتى ولو لم ينص في القرآن صراحة على تحريم التعدي على الشريك ، لم يقل الله سبحانه وتعالى في القرآن لا تتبركوا بالقبور لمسا وتقبيلا ، ولكن من يفعل ذلك نقول أنه أتى فعل من أفعال الشرك وهو حرام.
ثالثا: التحريم بإنطباق الصفة لا يعد قياسا ، ولكنه يعد من باب تفصيل المجمل ، لذلك لا يجب التوسع فيه ، كما لا يجب إستخدام القواعد التي تحكم القياس عليه ، وعندنا أن القياس لا يجوز في استخلاص الأحكام الشرعية على خلاف جمهور علماء الطوائف.
حكم التدخين وفقا للقواعد سالفة البيان:
أولا أضرار التدخين ومنافعه:
1- التدخين ضار بالصحة العامة للمدخن ، وبصحة من يعاشره ويتعامل معه ، وقد قسم العلماء التدخين لنوعين إيجابي وسلبي ، والإيجابي هو القائم بالفعل من المدخنين ، والسلبي هو كل من يعاشر مدخن ، وهو أخطر لأنه استنشاق لمادة أول اكسيد الكربون وهي سامة وقاتلة.
2- المدخن أكثر عرضة للإصابة بأمراض الرئة وسرطان الجلد وسرطان الرئه من الشخص العادي ، وقد جاء في أحدث التقارير الصادرة مؤخرا في جنيف عن بعض العلماء والمهتمين أن مدخنا يموت كل عشر ثوان في العالم نتيجة التدخين !؟ وأنه خلال الفترة ما بين عام 1950 وعام 2000 قضى التبغ على نحو (60) مليون شخص في الدول النامية فقط !! نصفهم في سن الشباب.
3- غير المدخنين الذين يتضررون جراء تدخين الآخرين ( التدخين السلبي ) فأليكم هذه الإحصائية :
o 24% من النساء البالغات اللواتي يتعرضن لدخان أقاربهن في المنزل ،
o 39% من النساء اللواتي يتعرضن لدخان زملاء العمل ،
o 50% من النساء اللواتي يتعرضن للدخان في الأماكن العامة ...
كل أولئك معرضات لخطر الإصابة بسرطان الرئة
على الرابط
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]4- التدخين فيه تعدي على البيئة بتلويثها ، وعلى الغير بجعله عرضة للمرض ، وبفرض الأذى عليه من روائح كريهة وخانقة قد لا يستحملها البعض ، وهناك الكثير من الأضرار الأخرى والتي نحن ليس بصددها ويسهل على أي إنسان الاطلاع على الأبحاث والشهادات الموثقة عن أضرار التدخين في جميع الموسوعات الطبية والعلمية الموثوق فيها.
وهنا نأتي لتطبيق نصوص الآيات على هذا النحو:
1- قال تعالى" الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون" الأعراف 157 ، إذا الخبائث محرمة شرعا (كل الخبائث) وطبعا الطيبات حلال ، والسؤال لو أراد العالم اليوم أن يتفق على جدول موحد للطيبات والخبائث ففي أيهما سيكون التدخين (الطيبات) أم (الخبائث)؟ ، قطعا الخبائث فيشمله التحريم بالآية ، بإعتبار إنطباق وصف الخبث على الفعل وهو حرام.
2- نهى الله سبحانه وتعالى عباده أن يلقوا بأيديهم إلي التهلكة فقال عز من قائل" وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين" البقرة 195 ، وبعد أن عرفنا أن معدل الموت السنوي خمسة ملايين الذي يقتلع المدخنيين لا سيما الشباب منهم ، فهو وفقا لشهادة العدول في مهنة الطب ومراكز الأحصاء تهلكة ، فينطبق عليه النهي.
3- قال تعالى" قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون" الأعراف 33 ، والتدخين فيه (بغي) و (عدوان) فهو بغي على الغير الذين هم عرضة للمرض والموت لمجرد معاشرتهم لمدخن إجابي فيجعلهم جميعا (مدخنين سلبيين) ، وهو نوع أشد من التدخين الإيجابي ، مما يجعله (حرام) ، ثم أن في التدخين عدوان على البيئة وعلى حق الغير في حياة صحية وبيئة نقية ، فهو حرام لتحريم رب العالمين للبغي.
4- قال تعالى" يا ايها الذين امنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما" النساء 29 ، وسبحان الله فإن حكم هذه الآية ينطبق على التدخين أيما إنطباق ، فأصحاب شركات الدخان وبائعي التبغ ، يأكلون أموال المدخنين بالباطل لأنهم يبيعون لهم الحرام والوهم والمرض وكل هذا ينطبق تحت (أكل الأموال بالباطل) ، وهذه ليست تجارة لأن التجارة قائمة على الربح المشترك ، لا أن يبقى الربح في خانة البائع والخسارة في خانة المشترى والمجتمع والبيئة مجتمعين ، ثم ينهي الله سبحانه عن قتل أنفسنا ، وهنا البائع يقتل المشتري قتلا بطيئا ، والمشتري نفسه يقتل نفسه ، وكل هذا يجعله حرام.
قد يسأل البعض ، وكيف نحكم على الأفعال بالصحة أو الفساد؟ ، وأقول بتوفيق الله يكون ذلك على ما جرى به العرف بين الناس ، لقوله تعالى " خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين" الأعراف199 ، وأقول استقر العرف البشري على ضرر السجائر وانها من الخبائث.
بقي سؤال: وهل يمكن أن تخرج السجائر في زمن ما أو مجتمع ما من دائرة الترحيم؟ ، أقول نعم لو خرجت من عباءة وصفها بالخبائث ، ووصف حالة مرتكبها بالعدوان والبغي والتهلكة ، ويكون ذلك لو اكتشفت البشرية براءة السجائر من كل ما ألصق بها من أضرار ، أو لو في مرحلة من مراحل التطور البشري ، تمكنت البشرية من إختراع سجارة وتعميمها ليست فيها أو منها أي أضرار وتقف مع شاربها عند باب الاستمتاع والمساعدة على التركيز
وأخيرا أدعوا الجميع أن يتقوا الله في أنفسهم وأخوانهم والبشرية جميعا ، فالسجائر (حرام... حرام... حرام)