بسم الله الرحمان الرحيم .
الدواء الأنجع من شر الفتن الأربع ..!
وقفة مع حديث التعوذ من الأربع :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال ". رواه مسلم .
المفردات :
أعوذ : أحتمي ،ألتجئ .الفتنة :أغراء ،محنة .المحيا :الحياة .المسيح الدجال :
أقوال : جاء في إحكام الأحكام: (" فِتْنَةِ الْمَحْيَا " مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الْإِنْسَانُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ، مِنْ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ ، وَأَشَدُّهَا وَأَعْظَمُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى : أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَ " فِتْنَةِ الْمَمَاتِ " يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ .أُضِيفَتْ إلَى الْمَوْتِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ .
وَتَكُونُ فِتْنَةُ الْمَحْيَا - عَلَى هَذَا - مَا يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَتَصَرُّفِهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَا قَارَبَ شَيْئًا يُعْطَى حُكْمَهُ .فَحَالَةُ الْمَوْتِ تَشَبُّهٌ بِالْمَوْتِ ، وَلَا تُعَدُّ مِنْ الدُّنْيَا .
المعنى العام :
النبي من أتقى الخلق لله وأخوفهم من عذابه فكان يلوذ بالفرار إلى الله ويلتجأ إلى حماه ويتعوذ من شر كل ذي شر وكان عليه الصلاة والسلام يختار لدعائه وتوسله أفضل الأوقات وأجلها فكان قبل السلام من الصلاة يدعو بهذه الدعوات ويعلم بذلك أمته أن تختار من أدعيتها ما يليق بهذا المقام الجليل ومن جملة ما كان يتعوذ منه :
1-عذاب جهنم : هي مثوى الظالمين ونهاية المتكبرين والمتجبرين وهي دار يجمع فيها الله الأولين والآخرين ممن ساءت أعمالهم وافتتنوا في دنياهم وماتوا وهم في غمرتهم ساهون وعن ذكر ربهم معرضون وعن صلاتهم ساهون .
وهي منتهى الغضب الرباني وفيها من العذاب ما لرؤيته يشيب الولدان وتضع كل ذات حمل حملها ،نعوذ بالله من شرها .
2-عذاب القبر : القبر أول منزل من منازل الآخرة وفيه ضمة وظلمة وفيه يحدد مصير العبد وفيه يسأل عن دينه وعن ربه ورسوله فإذا كان ما في القبر سهل ويسير فما بعده أسهل وإذا اشتد القبر على العبد وكان ما فيه عسير فما بعده أصعب وأشد ، ولا مثبت للعبد في قبره سوى الله جل في علاه وتتدارك رحمة الله لعبده ببره وإحسانه في حياته قبل مماته .
من موجبات عذاب القبر : الغيبة والنميمة وانتهاك أعراض المسلمين وما أكثرها في زماننا فلنحذر فالفتنة عظيمة تعوذ منها أحب خلق الله لله فمن نكن نحن حتى نغفل عن هذا الأمر العظيم ونطلق العنان للسان حتى أوردنا الموارد فلنتق الله تعالى .
3- فتنة المحيا : هي فتنة الدنيا وما أشدها وأعظمها على الإنسان خاصة في زمن قل فيه ذكر هادم اللذات وكثرت فيه الفتن وتعاقبت كأمواج البحر حتى صار حال كثير من الرجال يصبح مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا وهذه فتنة ما بعدها فتنة أعاذنا الله منها .
4-فتنة الممات : ساعة الاحتضار والفراق وهي أصعب ساعة تمر على العبد وهو منقطع من هذه الفانية مقبل على الباقية ، فيا خيبة من فرطوا في جناب الله كيف هي حالهم في هذه اللحظات حين يرون ما هم مقبلون عليه عين يقين فيطلبون الرجعة حينها ولكن هيهات فالوقت قد فات .
وقفات مع فتنة المحيا والممات :
أ- قال جبير بن نفير : دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده ،فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق ، فلما انصرف ، قلت : غفر الله لك يا أباالدرداء ! ما أنت والنفاق ؟ قال : اللهم غفرا - ثلاثا - من يأمن البلاء ؟ من يأمنالبلاء ؟ والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه .
ب-قال صالح بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده والخرقة بيدي أشد بهالحيته . قال : فجعل يغرق ثم يفيق ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا : لا بعد . لا بعد . لا بعد . ففعل هذا مرة وثانية ، فلما كان في الثالثة قلت له : يا أبتِ إيش هذا الذيلهجت به في هذا الوقت ؟ فقال : يا بني أما تدري ؟ قلت : لا . فقال : إبليس لعنهالله قائم بحذائي عاضّ على أنامله يقول : يا أحمد فتني ! فأقول : لا ، حتى أموت .
للإمعان : هذه حال الخيرة الكرام البررة فكيف بحالنا نحن ؟ يارب ثبتنا .
5-شر المسيح الدجال : المسيح الدجال من أخطر فتن الساعة وذكره النبي بالشر لتهويل خطره وضرورة أخذ الحيطة والحذر من شره المستطير وقد بين لنا النبي بعض أوصافه وما يأتي به من ضلالات يضل بها كثير من خلق الله تعالى فتزل قدم بعد ثبوتها ويفتتن به من الخلق الكثير ممن نسوا هذه الآيات وساروا قدما وراء الجهالات والضلالات فأكملوا المسير وراء هذا الشر المستطير فأوردهم النار وبئس المصير .
لفتة : من أمارات هذه الفتنة انتشار الدجل بشتى أنواعه في الصحف والمجلات وفي وسائل الإعلام وتصديق الناس بكل خبر يرد في هذه الوسائل ، ومعظم أخبار اليوم تضعف يقين الناس بربهم وتبعدهم عن النهج السليم في الحياة التي عاش عليه سلف الأمة الصالح الذين حفظهم الله من فتن الدنيا والآخرة ، فعند ظهور هذا الكذاب يفتتن كثير من ضعاف الإيمان واليقين وتزيغ قلوبهم لعدم ثبوتها وخلوها من الإيمان الصحيح الراسخ الذي لا تحركه النوازل ولا الزلازل ولا الفتن ولا المحن .
نصيحة : ضرورة الرجوع إلى نهج السلف الصالح والتمسك بالطريقة المثلى التي كانوا عليها والحذر من الزيغ والضلال الذي ينجم عن أهل الأهواء فقلوبهم وأفئدتهم هواء لا تثبت على أمر حتى يأتي هذا الأمر .
الفوائد :
1-ضرورة التعوذ من هذه الأمور لعظم فتنتها وعدم قدرة الناس على ردها .
2-من رحمة الله بنا أنه بين لنا فتن الدنيا والآخرة حتى نلوذ به فهو وحده القادر على ردها .
3-ضرورة تحين الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء .
4-اختيار الأدعية المناسبة والتي فيها نجاة العبد في العاجلة والآجلة .
5-يناديك نبيك يا عبد الله بالتعوذ من فتنة المسيح الدجال وهي فتنة آخر الزمان التي يهوي فيها كثير من خلق الله ممن زاغت قلوبهم وتركوا دينهم واتبعوا سبيل المغضوب عليهم من اليهود والنصارى وأعوانهم .
آية التحذير من الغفلة:" سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ."، يتبعون سبيل كل ناعق وكذاب أشر حتى أزاغ الله قلوبهم فاتبعوا أكبر ناعق وكذاب أشر ( المسيح الدجال .).
من أخطر فتن الساعة : إن من أخطر فتن الساعة هي فتنة وسائل الاتصالات ومنها الانترنت ، كم هوى فيها من مفتون وضيع وقته من مغبون وأصبح تائها فيها كالمجنون .
ويا لخيبة من غفل عن خطرها ماذا فعلت بتقواه وورعه ، انتكس قلبه وعصى ربه وكشف ستره ، وإذا فعلت هذه الأفاعيل بالتقاة فماذا يا ترى هي فاعلة بالعصاة ؟
من شرها : تقرب شر البعيد ، وتدني فسوق الإماء والعبيد ، تنشر المجون من الأقوال والأعمال ، تظهر الفتنة بأبهى الصور ، تكشف عورات الناس وتهتك ستر الله عليهم ، وغيرها من الشرور .
فاستعملوها رحمكم الله في مراضي الله وأكثروا فيها من ذكر الله واستحضروا حين استعمالها مراقبة الله وتعوذوا بالله من شرها كما تعوذ رسول الله من كل فتنة تصد عن ذكر الله .
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال .
ونعوذ بك من كل فتنة مضلة ومن ضيق الصدور ووحشة القبور .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .