مع بدء رحيل عدد من الطغاة العرب عن السلطة بصورة لم يسبق لها مثيل منذ مطلع العام الجاري، في ظل تفاوت النهايات الخاصة بكل واحد منهم، جاء الإعلان يوم أمس عن مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي ليسطر خروجه من السلطة بصورة هي الأكثر دراماتيكية عن خروج نظيريه التونسي والمصري عبر وفاته الدامية على يد الثوار.
ورغم ما قاله خوان كول، أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان، عن أن القذافي كان يحظى بمعاملة وقدسية شديدة الخصوصية، إلا أن صحيفة النيويورك تايمز الأميركية أفادت في السياق ذاته أيضاً بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان مصراً على خوض غمار القتال حتى الموت، حتى قبل بدء موجة الانتفاضات، غير أن الظروف قادته في النهاية للاختباء بداخل حفرة صغيرة، ومن ثم شنقه في نهاية المطاف.
ثم مضت الصحيفة تتحدث عن المصير الذي واجهه مطلع العام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، أول رئيس يجبره شعبه على الرحيل من منصبه في يناير الماضي، حيث اختار الهروب إلى المملكة العربية السعودية، ومن وقتها والأخبار مقطوعة عنه.
أما الرئيس المصري، حسني مبارك، فقد اختار البقاء وخوض المعركة داخل ساحات القضاء. غير أنه يتعرض الآن لخطر أن يذكره التاريخ وهو في تلك الوضعية التي يستلقي فيها على محفة داخل قفص حديدي، في الوقت الذي يركز فيه دفاعه على الجزئية التي تتحدث عن أنه مريض للغاية ولا يقوى على تحمل إهانة المحاكمة.
بعدها تابعت الصحيفة حديثها بإشارتها إلى مستبدي العالم العربي الذين لا يزالوا في السلطة، ويتعرضون للحصار في الوقت الراهن، وهما الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذين يناضلان من أجل البقاء في منصبيهما، رغم كل الظروف والملابسات التي أحاطت بهما داخلياً وخارجياً خلال الآونة الأخيرة.
وقالت الصحيفة إنه من غير الواضح الآن طبيعة الدرس الذي يمكن لبشار أو عبد الله صالح أن يستفيداه من سقوط القذافي وموته. وأعقبت بقولها إن رحيله لم يأت كما كان متوقعاً، حتى مع تعهده بأن يستمر في نضاله حتى الموت، خاصة وأن كثيرين كانوا يتوقعون أن يبقى متواجداً في صحراء ليبيا الواسعة على مدار سنوات.
وأوردت النيويورك تايمز عن روب مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية، قوله :" قد يكون ذلك أكثر اتساقاً مع الطريقة التي ينظر من خلالها الناس إليه بتصورهم أنهم سيعثرون عليه في النيجر أو على الحدود، مواظباً على الدخول والخروج".
ثم أبرزت الصحيفة تلك الفتوى التي صدرت هذا الشهر وأكدت أن القذافي ومساعديه لن يحصلوا على شرف الاستشهاد في سبيل الله، وذلك من منطلق أن الشهيد هو من يموت دفاعاً عن دينه وأرضه. لكنها لفتت كذلك إلى أن بعضاً ممن تبقوا من أفراد أسرته ومعظم أتباعه سيستمرون في اعتباره شهيد.
وقال أيضاً محمد الخشن، أستاذ القانون بجامعة القاهرة: "أعتقد أن تاريخ القذافي شديد السواد، ومن الصعب للغاية منحه أي دلالات شرفية بعد أن لاقى حتفه يوم أمس". ولفتت الصحيفة بعدها إلى حالة الفرح والابتهاج التي هيمنت يوم أمس على الأجواء في شوارع القاهرة، مثلما كان الحال في طرابلس بليبيا والعديد من المدن العربية الأخرى. وهو نفس ما حدث على موقعي فايسبوك وتويتر، من خلال التعليقات الكثيرة التي حملت ين طياتها فرحة غامرة ابتهاجاً بخبر اعتقال ومقتل القذافي.
وكتب أحد الأشخاص معقباً على تويتر "حرمتنا ليبيا من أطرف محاكمة كانت ستحدث في التاريخ مع النجم معمر القذافي". بينما قالت الناشطة المصرية نوارة نجم "إحمد ربنا، لأن القتل هو أقل شيء يمكن أن يُفعَل معك أيها القذافي، يا قاتل يا كلب".
وعلى غرار ذلك، انتشر رسوم كاريكاتوري على الإنترنت لرجل يمسك بعلبة دهان أحمر اللون، وقد وضع علامة إكس على كل من زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي، وبانتظار أن يضع مستقبلاً تلك العلامة على الرئيسين بشار الأسد وعلي عبد الله صالح.
كما طُرِحت تساؤلات بشأن ما إن كان سيعمل موت القذافي على حث الأسد وصالح وغيرهما من الطغاة على الرحيل أو استخدام مزيد من القوة مع شعوبهم. وختمت الصحيفة الأميركية بقولها إن الإرث الحقيقي لسقوط القذافي – وهؤلاء من سبقوه وبالتأكيد من سيعقبوه - هو أن الشعوب العربية قد تغيرت بالفعل.