أمُّ الشُّـهداء الثَّلاثة
الجزء الأول
أخـبروها أنَّ صغيرها
مجدي قدِ أُعتقل في عملية فدائية نفذها مع صديقيْه عبد القادر وعمر.
تفاهم الثّلاثة على أنّ
اللّقاء سيكون بعد منتصف اللّيل. تسلّل مجدي وحيد أمِّه حافيَ القدميْن ممُسكا
بحذائه تحت إبطه، وتسلّق جدار البيت، وقفز منطلقا نحو أطلال مدرسته الواقعة في
أطراف المدينة والقريبة من الثكنة العسكرية. كان يمشي والـرّغبة تتملّكه في القيام
بهذه المهمّة التّي أُوكِلت إليه من طرف قائد سرايا القدس، ولماّ وصل وجد صديقيْه
في انتظاره. أشعل عبد القادر شمعة أضاءت لهم المكان واستخرجوا العُبُوات النّاسفة
بحذر ولـهفة، ثم احتضنوا بعضهم بعضا كأنّه آخر لقاء سيجمعهم ،لكنّ عمر تكلّم كلام
الواثق من نفسه العارف بأن حياة البشر هبة من عند الله وهمس: ليكن توكلنا على الله
هو سبيل النّجاة فلا نتردد ولا نتخاذل وإن اُستشهدنا فتلك الأمنية ومبتغانا الذي
لا مناص منه.
سكت الجميع وانطلقوا كالأسُود يحتمون بالظُّلمة إلى جانب الجدران. كانتِ الأضواء الكاشفة تضيء كل
الأنحاء ممّا تعذّر التّقدم، حينها أشار عليهم مجدي بأن يزرعوا العبوّات في الطريق
التُّرابي بعيدا عن الثّكنة لأنهم يعلمون بأن سيارات الجيب والشَّاحنات تعود في كلِّ
صباح وعلى نفس الطّـريق. ومـا هي إلا لحظات حتى تمّ لهم ما أرادوا .
ابتعدوا لمسافة بعيدة وانبطحوا أرضا. مرّت قرابة الأربعة ساعات، وقبل بزُوغ أوَّل خيوط الفجر سمعوا ضجيج
المحرّكات فامتدت أعناقهم تترقّب الحدث. ليُسمع دوي هائل متقطع ويتوالى صوت الرّصاص
في كلّ الإتجاهات، لأنَّ الجنود الصّهاينة جبناء يحتمون بالمدرّعات. كان لهب
النيران يرتفع ويتكاثف الدّخان.
رأى مجدي كيف تناثرت جُثثُ الجنودِ وتفجرت شاحنة وسيارة نقل ممّا أحدث خسائر فادحة. تكلَّم
عبد القادر الفتى اليافع: هيـَّا لنتفرّق وليسلك كل واحد منا وجهة وسنلتقي مساء في
بيت مجدي هكذا اتفقوا.
اِنطلق الثّلاثة متفرّقِين
لكنَّ القدرَ كان في انتظار مجدي الذي أُلقي عليه القبض بعد أن أُصيب بعدة رصاصات،
كان الجنود الصَّهاينة يطلقون النّار على كلِّ فلسطيني و بوحشية لا توصف.
أغلقتِ الأبواب والنّوافذ
والمحال التّجارية، وَهُرِعَ النّاس إلى بيوتهم خوْفـاً من ردّةِ فعل المحتلين
أعتقل الكثيرون وأُخِذوا مُكبلين بالسّلاسل إلى السّجون والمعتقلات. في هذه
الأثناء إلتحق عمر بعبد القادر وسارا معا قاصديْن بيت مجدي. تقدّم أحدهما وطرق
الباب طرقا خفيفا.
فتحت الأم الباب وأطلّت
ماذا تريدان؟! فقال عبد القادر بعد أن ألقى التّحية هل مجـدي هنـا يا عمّتي: فردت
لا... لم يعد منذ ليلة البارحة أفقت وتفقدت الفراش لكني لم أجده إنّي قلقة عليه كثيرا
أوْصَدتِ الباب وعلامة الحيرة تبدو على محيّاها وقالت سترك يا الله وواصلت تضرّعها.
يتبع في الجزء الثاني *بقلم المعلم : لعيفاوي طيب
جوان 2009 / عين الحجل