وفرعون ما زال لا يرينا إلا ما يرى
فرعون مصر كان حريصاً على إحاطة نفسه بفريق متخصص من السحرة الذين ذاع صيتهم في فنون السحر والتخييل وسحر أعين الناس واسترهابهم حتى يبدو لهم أن اللاموجود هو موجود بالفعل!!
هلك فرعون وبقي جسده آية لأن لفرعون هذا خلفاء في الأرض، فرعون يليه فرعون وما كان أمر فرعون الأول إلا آية لهم ولكن هل من معتبر؟؟!
وما زال إلى يومنا هذا فراعنة العصر يتوالون ففرعون يليه فرعون، ولكل فرعون فريقه من السحرة وما تغير من المنطق والفكر شيئا إنما تغير السحر والساحر.
ولعلنا ندرك تلك الحقيقة ونحن نعايش فترة عصيبة أصبح الناطق الناهي الآمر فيها هو فرعون العصر وطاغية الزمان والذي أصبح يتجسد فيما يسمى الإدارة الأمريكية التي حرصت ومن سبقها من إدارات على الالتفاف العجيب حول ما يسمى اللوبي الصهيوني الإعلامي..
فهذا الأخير يملك المئات من وسائل الإعلام سواء المرئية منها أو المقروءة أو المسموعة كما أنه يسيطر على الحصص العظمى من رؤوس أموال تلك التي لا يملكها بالكامل.
ما الذي يدعوني لذكر كل هذا؟
لعله الألم الذي يعتريني وأنا أجد أن منا بل جُلّنا من يقع وللأسف تحت مظلة التعتيم والتضليل الإعلامي المتآمر ولا أتحفظ على لفظ (متآمر) فالبعض يتهم المسلمين والعرب بصفة عامة بعقدة المؤامرة.
فلنأتي لهذه القضية المضحكة المبكية والتي تتكرر أمامنا يوميا ونحن لا حياة لمن تنادي بل وقد اعتادت آذاننا السماع ويخشى أن تعتاد قلوبنا ذلك أيضا..كلنا يسمع نشرات الأخبار ونسمع ملقيها يقرأ ما أعد له من تقارير فتعالوا إخوتي وأخواتي ولنعقد هذه المقارنة..
في خبر..المذيع: استشهد اليوم سبعة فلسطينيين بينهم طفل وامرأة في اجتياح جديد للقوات الصهيونية لمدينة غزة..
وفي خبر آخر.. المذيع: قُتل أحد عشر عراقيا بينهم أطفال ونساء صباح هذا اليوم في غارة أمريكية على مدينة الفلوجة!!
سبحان الله..
أليس القتلى في المصيبة سواء؟ أليس الغريم في كلتا الحالتين واحد؟؟
فلماذا إذاً هذه التفرقة اللفظية في سياق الخبر (استشهد، قُتل)؟
العدو الصهيوني هو خصمنا القديم فليبق إذا كذلك.. ولكن أمريكا سيدة الحرية والسلام فلا يجب أن يشوب لقبها شائبة!!
ولذا لا يجب إعطاء الموت تحت نيرانها صبغة قدسية (استشهاد) حتى لا تتعكر صورتها الرائقة وحتى لا يفهم البعض ممن لا يراد لهم أن يفهموا طبيعة المعادلة:
القتل بنيران قوات أمريكية استشهاد = قتال القوات الأمريكية جهاد
استمعوا لنشرات الأخبار التي تعاد كل حين وعشرات المرات فالخبر يعاد مراراً وتكراراً ولا أذن تستفهم ولا عقل يستنكر!!
هل تصدقون وهذا أمر حادث فعلاً.. أن هناك من بكى بكاءً مريراً على رهينة أمريكي ذُبح بينما لم تدمع عيناه إلا فيما ندر على عشرات المسلمين الذين يذبحون يومياً في الطرقات ولا بواكي لهم!!
لمَ ذلك؟
بالطبع لأن وسائل الإعلام بكل أنواعها قد رسخت في مفاهيمهم أن لذلك الأمريكي صفة استثنائية من بين كل البشر على غرار تلك الجملة الساخرة التي مفادها أن احدهم قال: في الحرب العالمية قُتل مليون إنسان وحلاق فبادره السامع بسؤال المتعجب: ولماذا َ يُقتل الحلاق؟؟؟
سبحان الله نسي المليون وذكر الحلاق الواحد!!!
وما ذلك ألا نتيجة التخصيص الماكر..
وحتى نتأكد لما للكلمة في وسائل الإعلام من تأثير عجيب فسأورد لكم خبرا قديما منذ أكثر من عام..
حين ظهر المدعو شارون أمام مجلس وزراءه ليتهم حماس والجهاد بالخروج على القانون.. (قانون من يا هذا؟؟!! ) بل ونعتهم... وركزوا جيدا ًفي هذا النعت.. نعتهم بالـ (خوارج!!)
وليضحك من يشاء الضحك. !
ثم تعالوا لما أصبح يتردد كثيراً هذه الأيام في وسائل الأعلام ألا وهي (هجوم انتحاري) وأحيانا (هجوم إرهابي) بعد أن كان ذات يوم يسمى بالهجوم الفدائي أو الاستشهادي والمنتحر..
بالطبع هو أما عراقي أو مسلم فجر نفسه عند بوابة قاعدة أمريكية محتله بالعراق أو شيشاني مسلم نسف شاحنة بكتيبة روسية تعيث قتلاً وفساداً بالشيشان أو كشميري مجاهد أطلق النار على دورية هندية قد عادت للتو من قرية كشميرية مسلمة بعد أن أبادتها بالكامل!!
أرأيتم؟؟
الإعلام أصبح السحر والساحر وفرعون ما زال لا يرينا إلا ما يرى
ونخشى أن يأتي من بيننا من يقول أنه لا يهدينا إلا سبيل الرشاد!!