حكيمات العرب :حذام بنت الريان..نساء العرب..خصيلة بنت عامر بن الظرب
أما حكيمات العرب فمجموعة من النسوة اللائي اشتهر عنهن رجاحة العقل ، وحسن محاكمة المسائل المختلفة ، كما حفظت لنا كتب الأخبار أقوالاً موجزة لهن من حكمة أو أمثال أو أشعار، تدل على انشغال بما هو متصل بالعقل والوعي، وقد ذكر الألوسي أنه "كانت في نساء العرب أيام الجاهلية ذوات كمال، وحدة نظر، حتى تزينت بذكر مآثرهن صحف التواريخ، وكانت منهن جملة اشتهرت بإصابة الحكم وفصل الخصومات وحسن الرأي في الحكومة (أي الحكم) وقد ذكر الألوسي خمساً منهن وعرف بأخبارهن : ابنة الخس ، جمعة بنت حابس الأيادي ، صحر بنت لقمان ، خصيلة بنت عامر بن الظرب العدواني ، حذام بنت الريان .
وحذام بنت الريان هي التي ينسب لها المثل الذي يرويه أصحاب كتب الأمثال " لو ترك القطا ليلاً لنام " ولها حكاية شبيهة بحكاية زرقاء اليمامة التي يمكن أن نسلكها في هذه المجموعة، فليست زرقاء حادة البصر فقط، وانما هي امرأة لها أخبار غامضة تصلها بالحكمة والمعرفة والكهانة، وقد قيل " أبصر من زرقاء اليمامة " ، مثلما قيل في حذام بنت الريان الشعر المشهور :
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام
وأما جمعة بنت حابس "فكانت من حكيمات العرب ذات فصاحة ومنطق عذب لا تبارى ببيانها، وسلاطة لسانها " وكذا أمر صحر بنت لقمان فقد " كانت من نساء العرب المشهورات بالعقل والكمال والفصاحة، وكانت العرب تتحاكم عندها فيما ينوبهم من المشاجرات في الأنساب وغيرها"
وقد شهد الجاحظ باثنتين من الحكيمات فقال : " ومن أهل الدهاء والنكراء (الفطنة) ومن أهل اللسن واللقن، والجواب العجيب، والكلام الفصيح والأمثال السائرة، المخارج العجيبة، هند بنت الخس، وجمعة بنت حابس" .
وقد ضرب المثل بابنة الخس ، كقول ليلى بنت النضر الشاعرة :
وكنز ابد جدعان دلالة أمه
وكانت كبنت الخس أو هي أكبر
والكلام على أولئك الحكيمات، وتداول أخبارهن، والمواقف التي أجبن فيها، وأسكتن من سألهن، دليل على مبلغ عناية العرب بمن استشعروا امتلاكه للمعرفة، رجلاً كان أو امراة ، وتمثل الحكيمات مظهراَ من مظاهر الإسهام المعرفي المبكر للمرأة في عصر ما قبل الإسلام، كما تقدم أخبارهن دليلاً آخر على أن النبوغ كما فهمه العرب وتداولوه وتفاعلوا معه لا يرتبط بجنس دون آخر، كما تشير أن العرب قدروا المرأة العارفة واستمعوا إليها، وقدموا موقعها في مجتمعهم، لتكون في موضع المستشار، والحكم الذي يلجأ إليه في فصل الخصومات وحل المشكلات.
ويذكر د. جواد علي في (المفصل00) أن "في كتب أهل الأخبار أقوالاً منسوبة إلى هؤلاء (الحكيمات) مسجوعة على طريقة سجع الكهان، ذكر أن أكثرها صارت مثلاً، ولا يزال بعضها حياً، وبعضه من نوع الكلام المروي عن الحكماء، وهو يمثل الحكمة وتجارب الحياة في بساطة وبأسلوب يلائم الطبيعة السهلة التي عاش بها الناس في ذلك العهد، وفي ظروف مثل ظروف جزيرة العرب" .
وإذا كانت الأمثال هي ضرب من الحكمة والخبرة ، فقد نسبت كتب الأمثال العربية عشرات الأقوال السائرة مما قالته النسوة العربيات ، فجرى مجرى المثل ، وسرد مؤلفو الأمثال قصصاً تفسر تلك الأقوال وتبين المجال أو الموقف الذي قيلت فيه ، ومنها - على سبيل المثال - الأقوال التالية :
-أ غيرة وجبنا ؟.
-بيتي يبخل لا أنا.
-ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل ؟.
-لا تأمني الأحمق وفي يده سكين .
-رمتني بدائها وانسلت .
-لا تعدم الحسناء ذاماً.
-لا عتاب على الجندل.
-ترك الخداع من كشف القناع.
-كل فتاة بأبيها معجبة.
-لو ترك القطا ليلاً لنام.
الخ00 فهذه الأمثال وما يشبهها تكشف عن بعض النشاط المعرفي للمرأة العربية، وشيوع أقوالها وحكمتها في إطار مجتمعها وبيئتها شأنها في ذلك شان الرجل .