اكتشاف
المواهب عملية شاقة و طويلة ، و هي أساس سعادة الفرد و تكامل المجتمع ... و
تحتاج إلى قائد و مرب ماهر يستخلص الدرر و الجواهر من بين حبات الرمل
المتراكم.
و ليس خير منه صلى الله عليه و سلم القادر على هذا الأمر فلقد
علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأقواله و افعاله و سيرته كيف تكتشف و
ترشد الطاقات ... هي جولة في محراب النبوة لقدرته صلى الله عليه و سلم في
اكتشاف طاقات أصحابه فكانوا خير ناصرين للإسلام.
اكتشاف شخصية زيد بن ثابت رضي الله عنه :
نبينا
محمد صلى اله عليه و سلم رأى زيد بن ثابت رضي الله عنه فأعجب به و ادرك
على الفور موهبته في الفهم السريع و الحفظ القوي و الذاكرة الحية ، فقال له
: يا زيد تعاّم لي كتاب يهود فإني و الله ما آمن يهود على كتاب ... قال
زيد : فتعلمت كتابهم ، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته . و كنت اقرأ له
كتبهم إذا كتبوا إليه ، و اجيب عنه إذا كتب . ثم قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : تحسن الربانيّة إنها تأتيني كتب ... ؟ قلت : لا ، قال صلى
اللهعليه و سلم : فتعلمها . فتعلمتها في سبعة عشر يوما . هذه هي مهمة
القائد : أن يكتشف الطاقات من حوله . و يدربها و يوجهها.
اكتشاف شخصية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
كان
عبد الله بن مسعود نحيل الجسم ضامرا ، دقيق الساقين قصيرا .. اكتشف رسول
الله مواهبه فقال له : إنك غلام معلّم . شجعه على التفرغ للعلم ... و قربه
منه حتى كان أشبه بصاحب سره، لا يفارقه في سفر و لا حضر ... و يدور الزمان و
يصبح الراعي المغمور من أئمة الصحابة و علمائهم و قرائهم ، يجعله الرسول
للناس إماما و يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول:" من سره أن يقرأ
القرآن غضّا كما نزل فليسمعه من ابن أم عبد) - رواه أحمد-
اكتشاف شخصية عمر بن الخطاب رضي اله عنه :
الرسول
القائد يكتشف مواهب عمر بن الخطاب قبل أن يسلم فيطلق قولته المشهورة :"
اللهم انصر الإسلام بأحب العمرين إليك ... عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب "
، سهّل له القدوم فأصبح أعاظم القادة في التاريخ .كان نموذجا فريدا في
سرعة الإدراك و استقراء الأحداث و الحكم عليها.
يوم أسلم جاء دار الارقم
بن أبي الارقم و امام رسول الله صلى الله عليه و سلم نطق بالشهادتين .. و
منذ دخوله في الإسلام .. استشعر مسؤوليته عن الدين الجديد ... و طالب رسول
الله بالخروج و مواجهة الشرك . كيف اكتشف رسول الله صلى الله عليه و سلم
موهبة عمر و هو مازال في معسكر الشرك ، و كيف هذبه و شذبه بعد إسلامه حتى
غدا في مقدمة العظماء الذين يفخر بهم تاريخ الإنسانية . هذا هو دور القائد
المربي في التعرف على القيادات و غطلاقها لتأخذ دورها في معركة البناء.
اكتشاف شخصية عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
الرسول القائد يكتشف موهبة عبد الله بن عباس فيقول صلى الله عليه وسلم :" اللهم فقه في الدين " .. فأصبح فقيه الامة و حبرها
و يلتقط سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الموهبة الشابة المبكرة ، و يضمه إلى مجلس شواره ، و هو بعد فتى صغيرا .
هذا هو دور القائد ... يبحث عن المواهب و يصقلها ، و يقدمها ...
اكتشاف شخصية أسامة بن زيد رضي الله عنه :
اختار
رسول الله صلى الله عليه و سلم أسامة بن زيد رضي الله عنه لقيادة الجيش
المتجه لدومة الجندل لقتال الروم - مع وجود من هو اقدم منه في الجيش و فيهم
أبو بكر و عمر -
المسلمون كانوا ينظرون إلى أسامة و إلى والده زيد من
قبل بعيون الموقع و القبيلة ... و رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينظر
إليهم بعيون القائد الذي يبحث عن الموهبة .
اكتشاف شخصية خالد بن الوليد رضي الله عنه :
الرسول
القائد صلى الله عليه و سلم يكتشف موهبة خالد بن الوليد العسكرية فيقول :"
خالد سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين " . فيصبح خالد القائد
العسكري العظيم الذي لا يهزم .
هكذا إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قائدا و مربيا وصاقلا لمواهب اصحابه .