هل تذكرون يحيى؟..ذاك الشاب النحيل المتوقد الذكاء، عالي الهمة الذي أطلق عليه رئيس الوزراء الصهيوني "إسحاق رابين" اسم "المهندس" لدقة عملياته ووقوعها في أماكن وأوقات لم تخطر للعدو ببال؟
أتذكرونه وتذكرون كيف سقط بيد العمالة وهو مطارد، ينتقل من حي إلى حي ومن بيت إلى بيت، وكأن بيوت الفلسطينيين كلها بيوته، مفتوحة أمامه متى شاء دخلها ومتى شاء خرج منها، وكذلك الحال مع بقية المجاهدين؟
كل يوم تلد أرض فلسطين يحيى جديداً، يحمل القضية ويسعى بها بين الناس، لا يكل هؤلاء المجاهدون ولا يملون، ومن أين للملل أن يتسرب إليهم وقد أشربت نفوسهم حب الشهادة وحب لقاء الله - تعالى -وهم رجال يدافعون عن حق المسلمين في أرض بيت المقدس الشريفة؟
بعد كل جريمة يوقعها العدو في صفوف المجاهدين يظن الناس أن الوقعة وقعت وشلت المقاومة، بيد أن هذا لم يحدث منذ عياش الذي رحل عن دنيانا قبل ثماني سنوات وحتى آخر هذه الجرائم التي ارتكبها العدو في حق الشهداء الـ15قبل يومين بغزة.
من هو؟
هو "يحيى بن عبد اللطيف عياش" المولود في 6 آذار/ مارس 1966 في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة. درس في قريته حتى أنهى المرحلة الثانوية فيها بتفوق أهله للدراسة في جامعة بيرزيت. تخرج من كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية في العام 1988، وتزوج إحدى قريباته وأنجب منها ثلاثة أولاد(براء وعبد اللطيف ويحيى).
نشط يحيى عياش في كتائب الشهيد عز الدين القسام منذ مطلع العام 1992 وتركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقاً أسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في شباط/ فبراير 1994، اعتبر مسؤولاً عن سلسلة الهجمات الاستشهادية مما جعله هدفاً مركزياً للعدو الصهيوني.
ظل ملاحقاً ثلاث سنوات، وقد تمكن العدو من اغتياله بعد أن جند لملاحقة المجاهد البطل مئات العملاء والمخبرين.
اغتيل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 كانون ثاني/ يناير 1996 باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه الشهيد يحيى عياش أحياناً.
خرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده، وقد نفذ مجاهدو الكتائب سلسلة هجمات استشهادية ثأراً لاستشهاده أدت إلى مصرع نحو 70 صهيونياً وجرح مئات آخرين.
عملياته:
نقلت عمليات عياش المعركة إلى قلب المناطق الآمنة التي يدّعي الإسرائيليون أن أجهزتهم الأمنية تسيطر فيها على الوضع تماماً؛ فبعد العمليات المتعددة التي نُفذت ضد مراكز الاحتلال والدوريات العسكرية نفذ مقاتلو حماس بتخطيط من قائدهم عياش عدداً من العمليات، أهمها:
6 أبريل 1994: الشهيد "رائد زكارنة" يفجر سيارة مفخخة قرب حافلة صهيونية في مدينة العفولة؛ مما أدى إلى مقتل ثمانية صهاينة، وجرح ما لا يقل عن ثلاثين. وقالت حماس: إن الهجوم هو ردها الأول على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
13 أبريل 1994: مقاتل آخر من حركة "حماس" هو الشهيد "عمار عمارنة" يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة صهيونية في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر؛ مما أدى إلى مقتل 5 صهاينة وجرح العشرات.
19 أكتوبر 1994: الشهيد "صالح نزال" - وهو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام - يفجر نفسه داخل حافلة ركاب صهيونية في شارع "ديزنغوف" في مدينة تل أبيب؛ مما أدى إلى مقتل 22 صهيونياً وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
25 ديسمبر 1994: الشهيد أسامة راضي - وهو شرطي فلسطيني وعضو سري في مجموعات القسام - يفجر نفسه قرب حافلة تقل جنوداً في سلاح الجو الصهيوني في القدس، ويجرح 13 جندياً.
22 يناير 1995: مقاتلان فلسطينيان يفجران نفسيهما في محطة للعسكريين الصهاينة في منطقة بيت ليد قرب نتانيا؛ مما أدى إلى مقتل 23 جندياً صهيونياً، وجرح أربعين آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه، وقالت المصادر العسكرية الصهيونية: إن التحقيقات تشير إلى وجود بصمات المهندس في تركيب العبوات الناسفة.
9 أبريل 1995: حركتا حماس والجهاد الإسلامي تنفذان هجومين استشهاديين ضد مواطنين يهود في قطاع غزة؛ مما أدى إلى مقتل 7 مستوطنين رداً على جريمة الاستخبارات الصهيونية في تفجير منزل في حي الشيخ رضوان في غزة، أدى إلى استشهاد نحو خمسة فلسطينيين، وبينهم الشهيد "كمال كحيل" أحد قادة مجموعات القسام ومساعد له.
24 يونيو 1995: مقاتل استشهادي من مجموعات تلاميذ المهندس "يحيى عياش" التابعة لكتائب الشهيد "عز الدين القسام" يفجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب صهيونية في "رامات غان" بالقرب من تل أبيب؛ مما أدى إلى مصرع 6 صهاينة وجرح 33 آخرين.
21 أغسطس 1995: هجوم استشهادي آخر استهدف حافلة صهيونية للركاب في حي رامات أشكول في مدينة القدس المحتلة؛ مما أسفر عن مقتل 5 صهاينة، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح، وقد أعلن تلاميذ المهندس يحيى عياش مسؤوليتهم عن الهجوم.
الرنتيسي يرثيه شعراً:
كتب في الشهيد يحيى عياش العيد من الكتابات الشعرية والنثرية، فضلاً عن الأعمال الفنية والكتب التي تناولت عملياته بالنقد والتحليل، ومن بين من رثوه شعراً الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بقصيدة "ملحمة عياش" قال فيها:
عياش حيٌّ لا تقل عياش ماتْ *** أو هل يجف النيل أو نهر الفرات
عياش شمسٌ والشموس قليلة *** بشروقها تهدي الحياة إلى الحياةْ
عياش يحيا في القلوب مجدداً *** فيها دماء الثأر تعصف بالطغاةْ
عياش ملحمة ستذكر نظمها *** أجيال أمتنا كأغلى الذكرياتْ
عياش مدرسة تشع حضارةً *** عياش جامعة البطولة والثباتْ
يا سعدَ أم أرضعتك لبانها *** فغدت بيحيى شامةً في الأمهات
اليوم يا يحيى ستنهض أمةٌ *** وتثور تنفض عن كواهلها السباتْ
ونعيد ماضينا ويهتف جندنا *** النصر للإسلام بالقسام آتْ
فتصيح من دفء اللقاء ديارنا *** عاد المهاجر من دياجير الشتات
عبّدت درباً للشهادة واسعاً *** ورسمت من آي الكتاب له سماتْ
وغرست أجساد الرجال قنابلاً *** وكتبت من دمك الرعيف لنا عظات
فغدت جموع البغي تغرق كلما *** دوى بيانٌ: من هنا عياش فاتْ
وارتد بأسهم شديداً بينهم *** وتفرقوا بين الحمائم والغلاةْ
هذي الألوف أبا البراء تعاهدت *** أن لا نجونا إن نجت عُصبُ الجناةْ
وتآلفت منها القلوب فكلها *** يحيى فويلٌ للصهاينة الغزاةْ
يا ذا المسجى في التراب رفاته *** من لي بمثلك صانعاً للمعجزات؟
أنعم بقبرٍ قد تعطر جوفه *** إذ ضم في أحشائه ذاك الرفاتْ
آن الأوان أبا البراء لراحة *** في صحبة المختار والغر الدعاةْ
أبشرْ فإن جهادنا متواصلٌ *** إنْ غاب مقدامٌ ستخلفه مئاتْ