صعق بالكهرباء .. تجريد من الملابس بشكل كامل .. ضرب وتنكيل وسباب
وشتائم لا حصر لها، ذلك جانب من التعذيب الذي تعرض له الشاب الفلسطيني
حسين أبو شاويش (22 عاماً) مع عدد من أصدقائه وآخرين لا يعرفهم على أيدي
جهاز أمن الدولة المصري بعدما ساقتهم أقدارهم إلى داخل الأراضي المصرية.
رغم مرور عدة أيام على عودته؛ إلا أن الشاب أبو شاويش لا يزال وكأنه غير
مصدق أنه نجا من الأهوال التي رآها ويعتقد أنه لا وجود لها حتى في سجن
غوانتنامو الأمريكي الذي طالما سمع به.
بداية رحلة العذاب
بمرارة شديدة يروي أبو شاويش رحلة العذاب التي واجهها ودفعته للتساؤل عن إن كان هؤلاء عرب ومسلمين فعلاً؟
ليتني لم أذهب إلى رفح في ذلك اليوم .. هذا ما قاله أبو شاويش وهو يستذكر
الحكاية من بدايتها قائلاً: "في ليلة 28 ديسمبر/كانون الأول، أي في الليلة
الثانية للحرب الصهيونية على غزة، توجهت إلى منطقة الأنفاق، لاسترداد
أموال استثمرتها في تجارة الأنفاق".
ولم يسعف الحظ أبو شاويش فقد أغارت طائرات الاحتلال على المنطقة، ودفعه
الخوف مع خمسة من أقرانه إلى الهرب داخل الحدود المصرية.
يقول حسين وهو من سكان حي الشيخ رضوان في غزة: "كنت أنا وخمسة من أصدقائي
هم نور الجمال وشحدة ومجدي السواركة، وعلي الكرد، على مقربة من الحدود
المصرية الفلسطينية، للتواصل مع تاجر مصري يدعى (أبو أحمد الرملي)، وحين
تم القصف فتحت فتحة في الجدار.. توجهنا إليها هرباً من الصواريخ.. سرنا
بضع أمتار حتى أوقفنا ضابط مصري".
وذكر أن الضابط المصري سمح لهم باجتياز الحدود، وكان معهم عدد من الأطفال
الذين اجتازوا الحدود أيضاً وشباب من مختلف الأعمار، لافتاً النظر إلى أنه
ذهب إلى "أمين النفق" ليسترد أمواله المستحقة لديه؛ ومكث مع رفاقه عنده
يوم وليلة، ومن ثم التقوا بالتاجر (الرملي) وطلبوا منه الأموال، رد عليهم
بالقول إنه سيوفر كافة المبلغ في اليوم التالي.
يكمل حسين، مأساته راوياً لصحيفة "فلسطين" التي تصدر في غزة ما جرى: "في
اليوم التالي التقينا بالتاجر المصري، وسلمنا ألفي دولار على أن يسدد
الباقي فيما بعد، ومن ثم التففنا عائدين إلى الأراضي الفلسطينية".
توقف الشاب الذي يميل لونه إلى السمرة، وثم تابع متأسفاً لما حدث معه "لقد
غدر بنا، وأرسل من يتعقبنا، ووشى بنا للأمن المصري، بأننا مجموعة تريد
تنفيذ عمليات استشهادية ونحمل متفجرات".
لم يمضِ وقت طويل وحسين وأقرانه جالسون في مخبئهم ينتظرون هدوء سكون
المدافع التي كان لهيبها يهتك ستر الليل المظلم على المدينة الجنوبية؛ حتى
طوق المكان 12 جيباً عسكرياً أمن الدولة والأمن المركزي والأمن الخاص..
حاول الشبان الخمسة الفرار لكنهم اعتقلوا وأصحاب المنزل.
بداية الجحيم
حسين قال بأنهم لم يتوقعوا أن يحدث لهم ذلك، شارحاً بداية الجحيم لطبيعة
وتضاريس كلمة "ذلك": "مباشرة أخذنا إلى مركز أمن الدولة في منطقة الشيخ
زويد، وفي حدود الساعة الخامسة نقلنا إلى سجن أمن الدولة في العاصمة..
هناك تم عصب أعيننا، لننقل في سيارة سارت بنا لمدة ربع ساعة إلى مكان
بساحة كبيرة ..لم أعرف ما هو".
لم يكن دخول الموقع الأمني كما اكتشف
حسين فيما بعد هادئاً، ففور ولوجهم المكان باشر عدد من الضباط والجنود
المتواجدين في المكان بالصراخ في وجوههم "خود الأرض" أي انبطح أرضاً،
وانهالوا عليهم ضرباً مبرحاً في كل أجزاء أجسادهم، ليس هذا فحسب بل "
كانوا يتفننون في شتمنا وسبنا، بعدها أمرونا بالتجرد من ملابسنا، كما
ولدتنا أمهاتنا".
لحظات عابرة ويتابع "بقينا عراة 29 يوماً متواصلة، لم نرتد حتى ملابسنا
الداخلية، وأيدينا مكبلة بأساور حديدية (كلبشة) إلى الخلف، ولم نر النور
بسبب العصبة على الأعين".
زنازين الأرقام والتحقيق
عندها اعتدل حسين على مقعده شارباً ما تبقى من الشاي الساخن في كأسه
الصغير، وقال: "بعد ذلك أدخلونا إلى مكان آخر وعرضونا على شخص لا نعلم
هويته أو شكله، قال لنا: "اسمع يا بني أنت وهو، أنت حتنسى اسمك وتحفظ
رقمك"، وعندها تعرف حسين على رقمه "السجين 61"، في هذه النقطة تفرق
الأصحاب عن بعضهم في زنازين التحقيق.
لم يكن حسين يعلم معنى أن ينسى
رقمه هناك، ويستكمل حديثه بابتسامة قاتمة على وجهه النحيف: "نسيت ذات يوم
رقمي، عوقبت على ذلك بالكهرباء يوماً كاملاً"، بعدها عاد الضابط مذكراً
بمقولته "أنسى اسمك وإياك أن تنسى رقمك!".
مجريات التحقيق مع السجين 61 بدأت ليلاً، حين أخذ من زنزانته إلى مكتب
المحقق المعروف باسم "سيف بيه"، يجلس في غرفة تحمل الرقم "9".. خرج سجانوه
وبقي حسين والمحقق لوحدهما، على الأخير أن يسأل وعلى الشاب أن يجيب.
سؤال بسيط "لماذا أنت في مصر؟" " دخلت هربا من الحرب ولي أموال لدى تاجر
وأنا تاجر"، لم ينتظر المحقق كثيراً ورد " أنت مش عاوز تتكلم ماشي يا
ابن...".
في محاولة من السجين 61 لتجسيد ما مورس بحقه أثناء التعذيب جلس على كرسي
بلاستيكي شارحا: "أجلسوني على كرسي حديدي مجهز بكلبشات حديدية، وقيدت من
قدمي ويدي والرقبة والرأس، وبدأ بعدها بتشغيل الكهرباء.. لحظات صمت أخرى
تصف ما كان يشعر به "كنت أشعر بأن روحي تفيض من جسدي، وحين يتوقف شحن
الكهرباء كنت اشعر بأن الروح تعود مجدداً".
استنجد حسين بالله أن يوقف تلك الآلة، لكن الضابط لم يأبه له وقال "خلي
الله بعيد ملوش دعوة في الكلام ده.. "والعياذ بالله، ثم عاد المحقق
سائلاً: "هل ستتكلم أم لا؟" قلت له: "ليس لدي أي شيء لأخبركم به غير الذي
قلته، ثم فاجأني بسؤاله عن الأحزمة الناسفة والأسلحة، وأين خبأتها، ومن من
أصدقائي سيكون الاستشهادي"، لكن إجابة السجين 61 كان كسابقاتها بأنه لا
يعلم شيئاً عما يتحدث به المحقق، نافياً نيته تنفيذ أي عملية.
سرير التعذيب
لم تنته الجلسة الكهربائية الأولى على الكرسي، حتى نقل حسين إلى "سرير"
مدد عليها وكبل من رأسه إلى قدميه، التي أضيف لهما، ويداه كذلك وجهازه
التناسلي بمشابك كهرباء "كالملاقط"، ووضع لاصق كهربائي على صدره وبطنه
أيضاً " كنت أشعر بأن جسمي يطير من على السرير وروحي معه".
ومضى
السجين 61 متابعاً على لسان المحقق باللهجة المصرية "انتو جايين هنا
تخربوا البلد وتعملوا عمليات استشهادية من مصر، أنت عارف معنى أمن
الدولة؟!"، قلت له: "لا " فقال: "أمن الدولة زي النار تقدر تستغني عنها في
حياتك اليومية، بالتأكيد لا وإذا قربت منها تحرقك".
منع حسين من النوم ستة أيام بلياليهن، واستمر مصلوباً على قدميه، ويداه
مقيدتان إلى الخلف، ولا زال مجرداً من ثيابه، لم يكن يسمح له أن يركن حتى
إلى الحائط، وبمجرد سقوط جسده من التعب على الأرض كان يطلب منه الوقوف.
وفي محاولة منه للهروب من "الجحيم" يقول السجين 61: "امتنعت عن تناول
الطعام، لأنقل إلى المستشفى، لكنهم كانوا يطعمونني بالقوة، مستخدمين مقابض
كهربائية لإجباري على تناول الأكل".
.