سلاح المؤمن
عندما تنزل المحن وتشتد الخطوب وتتوالى الكروب وتعظم الرزايا وتتتابع الشدائد ، لن يكون أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى ، ويلوذ بجانبه ويضرع إليه ، راجيا تحقيق وعده ، الذى وعد به عباده المؤمنين إذ يقول سبحانه وتعالى : ( وقال ربكم ادعونى أستجب لكم ) غافر 60 ، ويقول : ( وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون ) البقرة 186 ، فإنى قريب .. أجيب دعوة الداع إذا دعان .. أية رقة ؟ وأية شفافية ؟ وأى إيناس ؟ وأين تقع تكاليف الحياة فى ظل هذا الود ؟ وظل هذا القرب ؟ وظل هذا الإيناس ؟ ( إذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) . أضاف العباد، والرد المباشر منه .. ولم يقل : فقل لهم : إنى قريب .. إنما تول بنفسه جل جلاله الجواب على عباده بمجرَّد السؤال فقط ! .. قريب .. ولم يقل : أسمع الدعاء .. إنما عجل بإجابة الدعاء : (أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .. إنها آية عجيبة تسكب فى قلب المؤمن النداوة الحلوة ، والود المؤنس ، والرضى المطمئن ، والثقة واليقين ، ويعيش منها فى جناب رضىِّ , وقربى نديَّة ، وملاذ أمين ، وقرار مكين ، قال عليه الصلاة والسلام : " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعونى فأستجيب له ، ومن يسألنى فأعطيه ، ومن يستغفرنى فأغفر له " رواه مسلم ورقمه 1261 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه وعنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : إنه من لم يسأل الله يغضب عليه " رواه الترمذى ورقمه 3373 ، وإبن ماجه ورقمه 3827 بلفظ " من لم يدْعُ الله غضب عليه " وحسَّنه الألبانى . فالدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، ويعالجه ويمنع نزوله ، ويرفعه أويخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ، وقد روى الحاكم فى صحيحه من حديث عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايُغنى حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ، ومما ما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فينعلجان إلى يوم القيامة " أخرجه الحاكم ( 1/ 492 ) وصححه ، وقد حسنه الألبانى فى صحيح الجامع (7739) . وفى ظل هذا الأنس الحبيب ، وهذا القرب الودود ، وهذه الإستجابة الحية .. يلفت الله تعالى نظر عباده المؤمنين إلى قضية كبرى ، وهى أن قضية إجابة الدعاء مُعلقة بالإستجابة التامة له ، والإيمان به ، فقال : ( فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون ) . الإستجابة الكاملة التى تعنى السير على المنهج الأوحد الذى اختاره الله لعباده ، ( وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام 153 .
الإستجابة لله تعالى تعنى الإنقياد التام لأمره ونهيه ، والتسليم لقضائه ، والخضوع لجنابه ، وبدون ذلك ربما تتعذر الإجابة .
وفقنى الله وإياكم إلى مايحبه ويرضاه ، سائرين على منهجه الذى إختاره لنا الحق عزوجل .