قديمًا قالوا: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، وعلى الجانب الآخر
قالوا: من أُعجب برأيه ضل، وقالوا: من استبد برأيه كان من الصواب بعيدًا.
وقال الشاعر:
شاور صديقك في الخفي الْمُشْكِلِ .. .. .. واقبل نصيحة ناصحٍ متفضلِ
فالله قـد أوصى بـذاك نبيــه .. .. .. في قوله شـاورهُمُ وتـوكَّلِ
إن الشورى هي استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور.
ومع
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس رأيًا فضلاً عن كونه مؤيدًا
بالوحي الإلهي فقد أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه ليعلم الأمة ما في
المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته من بعده، حيث يقول الله لنبيه صلى
الله عليه وسلم: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران:159].
كما وصف الله
تبارك وتعالى مجتمع المؤمنين بالعديد من الصفات الكريمة التي كان من
أهمها: قيام المجتمع على أساسٍ من الشورى: {وأمرهم شورى بينهم}
[الشورى:38].
الشورى من قواعد الشريعة:
قال ابن عطية: والشورى من
قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، مَن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله
واجب، هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: {وأمرهم شورى
بينهم}. قال أعرابي: ما غُبنتُ قط حتى يُغْبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال:
لا أفعل شيئًا حتى أشاورهم.
وقال ابن خُوَيْز مَنْدَادَ: واجب على
الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وما أشكل عليهم من أمور الدين،
ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه
الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها، وكان يقال:
ما ندم من استشار، وكان يقال: من أُعجب برأيه ضل.
صفات المستشار:
ينبغي للحازم أن يشاور في أمره ذا الرأي الناصح والعقل الراجح، وقد اشترطوا لأهلية المستشار شروطًا خمسة:
1- عقلٌ كاملٌ، مع تجربة سالفة، قال أبو الأسود الدؤلي:
وما كل ذي لب بمؤتيـك نُصْحَه .. ... .. ولا كل مؤت نُصحه بلبيبِ
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب .. ... ..فحق له من طـاعة بنصيبِ
وقال بعضهم: شاور من جرب الأمور ؛ فإنه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غاليًا وأنت تأخذه مجانًا.
2-
أن يكون ذا دين وتقى؛ فقد ورد في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: من
أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا وفقه الله لأرشد أموره.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن "المستشار مؤتمن" فإذا كان ذا دين أدى الأمانة كما ينبغي.
3-
أن يكون ناصحًا ودودًا؛ فإن النصح والمودة يُصدِّقان الفكرة ويخلصان
الرأي،قال القرطبي:وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا
وادَّا في المستشير.
4- أن يكون سليم الفكر من هم قاطع وغم شاغل، فإن من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر.
5- ألا يكون له في الأمر المستشار فيه غرضٌ يتابعه، ولا هوىً يساعده؛ فإن الرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد.
الرسول يشارو أصحابه:
ولقد
رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في العديد من القضايا
والمسائل، فقد استشارهم في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء، وأشار عمر
بالقتل، فمال إلى رأي أبي بكر. واستشار أصحابه في الخروج لبدر فأشاروا بما
قرت به عينه،كما أشار عليه بعضهم في هذه الغزوة بالنزول قريبا من آبار بدر
ومنع المشركين من الماء وهو ما كان له أكبر الأثر في نتيجة المعركة.
واستشارهم في أحد واستجاب لرأيهم مع أنه على خلاف رأيه. واستشارهم في غزوة
الأحزاب وكان من بركة الاستشارة أن هدى الله سلمان للنصح بحفر الخندق. وفي
الحديبية استشار زوجه أم سلمة رضي الله عنها، فأشارت عليه بما هو خير
للمسلمين.
الخلفاء يشاورون:
ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج
نبيهم صلى الله عليه وسلم، فكانوا لا يستبدون برأي، بل يشاورون أهل
الديانة والتقى والخبرة. هذا أبو بكر كان إذا ورد عليه الأمر نظر في كتاب
الله، فإن وجد منه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن
أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم.
وهذا عمر يشاور
أصحابه وقصة مشاورته المسلمين عند خروجه إلى الشام، وقد وقع الطاعون بها
مشهورة معروفة. وهكذا كان عثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. فهل
لك فيهم أسوة؟ وهلاَّ استهديت بآراء ونصائح ذوي الألباب الأتقياء حتى تكون
مشورتهم مؤازرة لك وسبيل هداية؟!.