معركة مصر وايران

صراع ايران ومصر

أزمة في الأيام الأخيرة بين القاهرة وطهران على خلفية فيلم إيراني من
إنتاج القطاع الخاص وعُرِض في التلفزيون الإيراني بعنوان " إعدام فرعون "
الذي استغرق إعداده 4 سنوات .. وقد جاء الردّ المصري سريعا بإعلان أحد
أعضاء مجلس الشعب المصري من حزب الحكومة ورئيس تحرير جريدة " الوطني اليوم
" (محمد حسن الألفي) عن البدء بتجهيز سيناريو فيلم من إخراج محمد فاضل
بعنوان " الخميني إمام الدم " .. بالإضافة إلى الهجوم الصحفي، ودعوة أسرة
السادات إلى ملاحقة منتجي الفيلم الذي لا يرعى حرمة الأموات ويعتبر قاتلي
السادات شهداء، واستدعاء رئيس (مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة)
وتأكيد إيران أن الفيلم لا يعبّر عن رأي الحكومة الرسمي في طهران وأنه ليس
من إنتاج النظام الرسمي، ويدخل في نطاق حرّية التعبير، وتأكيد العلاقات
القائمة على الاحترام والأخوّة بين البلدين .. رغم كون الجهة المنتجة
للفيلم قريبة الصلة بالحرس الثوري الإيراني، ورغم العرض في التلفزيون
الحكومي الذي يعني الموافقة الضمنية عليه .. ( تفصيلات الخبر من موقع قناة
العربية)

وبعيدا عن القراءة المباشرة لهذا الخبر .. هل هناك حقا تنافس تاريخي
وحضاري بين الدولتين، وهل هناك مشروعات للهيمنة والسيادة على المنطقة لكلا
الدولتين ؟؟ وهل مصر هي عقبة أمام المشروع الإيراني في المنطقة كما يقول
كُتّاب النظام المصري ؟؟

لو رجعنا للتاريخ سنرى أن مصر وإيران هما الدول الحقيقية، وهما أقدم
دولتين في المنطقة بحدودهما الحالية ، أما الدول الأخرى فهي مؤقتة تظهر
وتزول من مسرح التاريخ .. وقد قامت أوّل دولة موحّدة مركزية في التاريخ
على يد الملك (مينا) موحّد القطرين ومؤسس الأسرة الفرعونية الحاكمة
الأولى، وحدود مصر ثابتة ولا خلاف عليها في كل كتب التاريخ والجغرافيا
والخطط والآثار .. وكذلك الحال مع فارس العريقة

وعلى مدار التاريخ مارست مصر وإيران (أو فارس) أدوارا إمبراطورية توسعية،
وعاشت مدّا وجزرا وانتصارات وانكسارات .. ومن الأسماء الخالدة في هذا
السياق رمسيس الثاني أحد أعظم الحكام المصريين القدماء، المعروف بفتوحاته
العسكرية في النوبة وليبيا، وفي الشام، وصاحب معركة (قادش) مع الحيثيين
والتي وقع بعدها أوّل اتفاقية سلام في تاريخ البشرية .. وقد استمرّت مصر
على مدى التاريخ مركزا للإمبراطوريات ومنطلقا للفتوحات على أيام
الإخشيديّين والفاطميين والأيوبيين والمماليك .. وبعد ذلك تأسيس الدولة
الحديثة على يد محمد علي باشا ، وفتوحات إبراهيم باشا في الشام وجزيرة
العرب، ثم القومية العربية أيام الزعيم جمال عبد الناصر والوحدة المصرية
السورية .. وكانت المقولة الرائجة (وقت الدور الإمبراطوري) أن حدود مصر
وأمنها القومي يبدأ من أعالي بلاد الشام .. ولكن كل تلك المفاهيم تغيّرت
لأسباب داخلية وخارجية لتنكفئ مصر إلى داخل حدودها الإقليمية ..

أما فارس فقد كانت ذات يوم قوة الشرق العظمى في المنطقة التي توازي قوى
الغرب اليونانية والرومانية .. وتروى صفحات التاريخ بتوسع وإسهاب تاريخ
الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة (العيلامية والميدية والإخمينية
والساسانية ...) وتاريخ الحروب والغزوات بين الشرق والغرب أو بين الفرس
والروم حتى ظهور الإسلام ..

وهل تحفظ سجلاّت التاريخ وقائع حرب وصراع مسلح بين فارس ومصر ؟؟؟

كان هذا على عهد قمبيز ابن قورش كسرى الفرس العظيم، الذي نجح بغزو مصر
واحتلالها وهزيمة أحمس الأول فرعون مصر، وتحويل مصر إلى ولاية فارسية ..
برغم أن جيش قمبيز الذي توجّه لهدم معبد آمون في واحة سيوه قد أصابه غضب
الطبيعة، وهبت عليه الرياح الرملية التي دفنته كاملا، ولم يعثر له على
أثر، في حادثة حيّرت علماء التاريخ والآثار طويلا ، وتعيد للذهن مصير
أبرهة الحبشي الذي تمزق جيشه واندحر بعد محاولة هدم الكعبة في مكة ..

وقد كانت غزوات الإسكندر الأكبر ذات آثار حاسمة في صراع الشرق والغرب ..
فقد استطاع احتلال مصر التي فقدت استقلالها الوطني من ذلك الوقت وحتى ثورة
1952م .. كما استطاع اكتساح فارس وقهر جيوشها التي قادها داريوس الثالث ،
ولكن إلى حين، فلم تسقط الإمبراطورية الفارسية نهائيا إلا على عهد
الفتوحات الإسلامية الأولى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..

وعند ظهور الإسلام كانت جميع المنطقة العربية خاضعة لاحتلال أجنبي فارسي
أو بيزنطي، أو حكام موالين وعملاء للفرس والروم .. فكانت الفتوحات
الإسلامية في حقيقتها تحريرا للشرق من نير احتلال واستعمار دام ما يزيد
على ألف عام ..

اعتنقت مصر وفارس الإسلام وهي تتكئ على خلفية حضارات عريقة، وفلسفات يغلب
عليها الطابع الإشراقي الغنوصي، وتراث روحي وثقافي خصب، وأديان ومعابد
وطقوس .. وشاركت كلتاهما في صناعة الحضارة الإسلامية وإثرائها .. تعرّبت
مصر بالكامل بعد فترة من الزمان، حتى شعائر المسيحية تُرجِمت إلى العربية
.. أما فارس فكان التعريب على مستوى النخبة المثقفة وعلماء الحديث
والتفسير والشريعة .. وكانت مصر مركزا لإمبراطوريات إسلامية متعاقبة، أما
فارس فقد شهدت ثورات وتمرّدات مختلفة ومنذ مرحلة مبكّرة هدفها استعادة
المجد القديم بوسائل عديدة، أهمّها إحياء الحركات الباطنية، ودعم الشعوبية
والقومية الفارسية، والتشيّع ذو الطابع الساساني .. وقد كان الانقلاب
العبّاسي على بني أمية فارسيا بدرجة كبيرة .. ولا ننسى أبيات مهيار
الديلمي التي تعبّر عن هويّة تمزج بين الفخر بالقومية الفارسية والانتماء
الإسلامي:

لا تخالي نسبا يخفضني ... أنا من يرضيكِ عند النسبِ

قومي استولوا على الدهر فتىً ... ومشوا فوق رؤوس الحقب

وأبي كسرى علا إيوانه ... أين في الناس أبٌ مثل أبي

قد قبستُ المجدَ من خير أبٍ ... وقبستُ الدين من خير نبي

وجمعتُ المجدَ من أطرافه ... سؤددَ الفرس ودينَ العرب

اشتهرت مصر بالسماحة والاعتدال في الدين وعدم التطرّف .. فهناك أضرحة
ومزارات لأهل البيت والصحابة، ودين شعبي قائم على تعظيم الأولياء
والقديسين والصالحين، ومزاج صوفي يناغم بين السنة والشيعة بسلاسة وهدوء ..
ولا تزال آثار مصر الفاطمية (الشيعية) باقية إلى الآن، وربما أعظم من آثار
الأيوبيين السّنة الذين جاؤوا من بعدهم .. رغم أن مصر الآن سنية ليس فيها
طائفة شيعية ولا انتشارا شعبيا للتشيّع، إلا بعض مثقفين معدودين تشيّعوا
حديثا بعد الثورة الإيرانية، وأسس بعضهم ما يسمى ب" مجلس رعاية أهل البيت
" .. ولهم ملف تحت عناية " مباحث أمن الدولة " !

أما إيران فقد كانت ذات أغلبية سنية في مراحل تاريخية مختلفة، ولكن التشيع
" الصفوي الساساني " انتشر بسلطة الحكومة وبوسائل الإكراه الذي بلغ ذروته
على يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي تحوّلت فارس في عهده إلى بلد ذو أغلبية
شيعية كما هو الان .. ( والتشيع الصفوي يختلف عن التشيّع العلوي كما يقول
المفكّر الإيراني الحرّ علي شريعتي)

وعندما قامت ثورة 23 يوليو في مصر طردت الإنجليز وحرّرت البلد، ودعمت
حركات التحرّر الوطني بالمنطقة، وتصدّت للأحلاف الاستعمارية في المنطقة،
ورفعت شعار القومية العربية، وسعت في اتجاه الاستقلال الاقتصادي والسياسي
وعدم الانحياز، وتحقيق العدل الاجتماعي ورفع مستوى الفئات الفقيرة
والمتوسطة .. حتى عدوان 67 ثم الثورة المضادة في حقبة السبعينات .. وعندما
قامت الثورة الإيرانية 1979م أزالت الشاه وأنجزت أهداف رئيس الوزراء
السابق (مصدّق) التي أقيل بسببها عام 1953م .. وكان المأمول أن تستأنف
الثورة الإيرانية مسيرة الثورة المصرية من حيث توقفت وتم التآمر والانقلاب
عليها ..

لا يجوز أن تتوقف العلاقات بين مصر وإيران على شارع في طهران ( شارع خالد
الإسلامبولي) أو على تخريب مقبرة الشاه في مصر .. أو على أفلام سينمائية
وردود أفعال غير مسؤولة يغلب عليها طابع ردّ الفعل العاطفي وليس الفعل
الواعي، بدون النظر إلى مستقبل المنطقة ومصالح دولها وشعوبها .. ومع الأسف
لا أرى أي مشروع مصري في المنطقة يتصادم مع المشروع الإيراني .. بل لقد
تراجع المشروع المصري منذ رحيل عبد الناصر والدخول في طور التبعية
السياسية والاقتصادية للمشروع الأمريكي .. وأصبحت إيران وقوى المقاومة
والممانعة في سوريا ولبنان وفلسطين، هي العقبة الوحيدة أمام امتداد كامل
الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق بأسرها حدود آسيا الوسطى ..

ولا أدري لماذا ينبغي أن نجعل من إيران عدوا وخطر داهما، ولمصلحة من
بالضبط ؟؟ أليس من الممكن محاولة التفاهم، وحل المشكلات العالقة والهواجس
والمخاوف والتوترات بين كل الأطراف العربية والإيرانية ؟؟ وهل هي صدفة أن
يتم تحويل إيران إلى بعبع لتخويف دول المنطقة وشعوبها وابتزازها على خلفية
أزمة الملف النووي الإيراني، كما حصل أيام صدام، وصرف الأنظار عن العدوّ
الحقيقي للمنطقة ولمصالح شعوبها وأمنها ؟؟ هل يتحاور المسلمون مع كل الملل
والنحل ويعقدون المؤتمرات العالمية لهذا الحوار، ولا يستطيعون الحوار مع
بعضهم البعض ؟؟

عندما ظهر الإسلام قام بتحرير الشرق وتوحيده وبناء امبراطوريته الخالدة ..
وسوف تكون راية الإسلام والمصالح المشتركة والأمن الإقليمي هي الملجأ
لشعوب المنطقة لصياغة مشروعها الذي يتغلّب على تناقضاتها وصراعاتها ليجعل
منها جبهة موحّدة في مواجهة القوى الاستعمارية الجديدة وريثة الاستعمار
الرومي القديم

لكم مني أرق التحايا وفيض محبتي

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

بارك الله فيك

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ألف شكر

» ( معركة في الحب )
» معركة القادسية
» الجنرال في اول معركة له مع الافناك
» معركة اليمامة الاسلامية
» معركة ملاذكرد و بطلها ألب أرسلان

معركة مصر وايران

معركة مصر وايران

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة