السلام عليكم
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:
الفرق بين الحب في الله والحب مع الله
وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا.
[الحب في الله]
فالحب في الله هو من كمال الإيمان، والحب مع الله هو عين الشرك.
والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة الله،
فإذا تمكنت محبته من قلب العبد، أوجبت تلك المحبة ان يحب ما يحبه الله
فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه
كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأوليائه لكونه تعالى يحبهم
ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى ببغضهم.
[علامة الحب في الله]
وعلامة هذا الحب والبغض في الله:[*] أنه لا ينقلب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه.[*] ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا إذا وصل إليه من جهته من يكرهه ويؤلمه إما خطأ وإما عمدا مطيعا لله فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا تائبا.
والدين كله يدور على أربع قواعد:
[1]حب
[2] وبغض، ويترتب عليهما:
[3] فعل
[4] وترك
فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه لله فقد استكمل الإيمان،
بحيث إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله وإذا فعل فعل لله وإذا ترك ترك لله،
وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه.
[الحب مع الله]
وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان:
[1] يقدح في أصل التوحيد وهو شرك.
[2] ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام.
فالأول: كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم،
قال تعالى: ((ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله))
وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع الله كما يحبون الله
فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء
وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله
ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم.
وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه
وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية
وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته
فكل من عبد شيئا من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله إلها ووليا
وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
والنوع الثاني: محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث
فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء.
فهذه المحبة ثلاثة أنواع:
[1] فإن أحبها لله توصلا بها إليه واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها،
وكانت من قسم الحب لله توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها
وهذا حاله أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب
وكانت محبته لهما عونا له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره .
[2] وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته
ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه بل نالها بحكم الميل الطبيعي
كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه.
[3] وإن كانت هي مقصودة ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها
وقدمها على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأولى محبة السابقين
والثانية محبة المقتصدين
والثالثة محبة الظالمين
فتأمل هذا الموضع وما فيه من الجمع والفرق فإنه معترك النفس الأمارة والمطمئنة والمهدي من هداه الله. اهـ من كتاب الروح