الزوجة
ثلاثية الزوجة
1-
الصلاح .
2 -
الجمال .
3 -
اليسر .
· الصلاح .
وهو المطلب الأول
في اختيار الزوجة التي تكون بها السعادة ؛ مطلب الصلاح .
وأهم ما يراد ويطلب في صلاح المرأة هو: صلاح دينها ، الأمر الذي ورد النص
بالظفر به فقد اخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر
بذات الدين تربت يداك ) وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند بن ماجة
يرفعه :لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن - ولا
تزوجوهن لاموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة
سوداء ذات دين أفضل .
والله جل وتعالى قد جبل المرأة على الضعف والنقص وطبيعة الخَلْق من ضلع
أعوج يحتّم على من يطلب السعادة الأسرية أن يبحث عن ذات الدين التي يمنعها
دينها ويحجزها من أن تنجر على ضعفها وعوجها فلا ترعى حق الله في نفسها
وزوجها وابناءها .
ومن جهة أخرى فإن صاحبة الدين تسعى لأن تبلغ وزوجها المرتبة العليا في باب
الدين والتدين والصلة بالله .
والمشاهد أن المرأة أشد عاطفة في التدين والعبادة من الرجل، وهذا أمر نراه
ملموسا في الواقع مما يعني أن اختيار صاحبة الدين الصحيح ايسر في سياستها
ومعاشرتها من غيرها التي لا يردعها دين ولا خلق .
ولسائل أن يسأل : ما حكمة التنصيص على حسن الخلق في الرجل إلى جنب
الدين،والسكوت عنه في المرأة والاقتصار على طلب ذات الدين ؟!
لعل الحكمة - والله أعلم - في ذلك تظهر في أمور:
-
أنه لمّا كانت القوامة بيد الرجل وأنه صاحب الأمر والنهي في البيت والأسرة
كان اشتراط حسن الخلق فيه آكد حتى لا ينتهي الأمر إلى سفيه أو مجترئ على حق
ضعيفة حرّج على حقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( إني أحرج حق
الضعيفين المرأة واليتيم ) . فصاحب الخلق اقرب لأن يرعى هذه القوامة بحقها
.
-
أنه لمّا كانت المرأة خُلقت من ضلع أعوج وأنها جُبلت على النقص والضعف كان
التنصيص على طلب صاحبة الخُلق فيه مشقّة للجبلة التي جُبلت عليه . ومن جهة
أخرى فإن نصوص الوحي التي جاءت تأمر المرأة بحفظ زوجها وحسن التبعّل له
أكثر من تلك النصوص التي وردت في حقوق في جانب الرجال ، فكانت هذه
التوجيهات والنصوص بمثابة التهذيب لخلق المرأة على عوجها ونقصها - والله
أعلم - .
· الجمال .
والمراد بالجمال
هنا جمال المظهر والمخبر .
فجمال المخبر بجمال الروح وشفافيتها ..
جمال العفة والطهر والحياء .. وهذا المقصود الأعظم من طلب الجمال في المرأة
.
أن تكون طاهرة السريرة نقيّة عفيفة حيية ، تشكر على المعروف ،وتحسّن التبعل
بالمعروف ، تقيم فرضها وتحفظ بيتها وترعى أبناءها ؛ جاء عند ابن حبان عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت
المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة
شاءت ) فهذا النص النبوي قد أبان أصول جمال الروح عند المرأة :
-
المحافظة على الفرائض .
-
تحصين الفرج ( فيه كناية عن الطهر والعفاف ) .
-
طاعة الزوج . ( حسن التبعّل له وعشرته بالمعروف ) .
ثم يأتي بعد جمال المخبر جمال المظهر ، وهو مقصد تكميلي لدوام العشرة
والسعادة بين الزوجين .
فإن النفوس جُبلت على حب الجميل الذي تأنس به العين ويسكن إليه الفؤاد ،
وفي هذا تغنّى الشعراء وتاه الأدباء - إلا من رحم ربك- والجمال من هذه
الجهة في اصله لا يستطيع العبد أن يتصرّف فيه ، لكن الله تعالى أباح للمرأة
أموراً تتجمل وتتزين بها لبعلها مما يزيد في حسن تبعلها ودوام الألفة بينها
وبين زوجها .
وجمالها من هذه الجهة
يكون في :
-
أن تكون بكراً غير ثيّب .
فإن البكر أدعى للألفة والمحبة لما يكون منها من شدة الاهتمام والعناية
بالتجمّل والزينة ، ولذلك جاءت السنة بالندب للتزوج من الأبكار : من حديث
جابر رضي الله عنه ( فهلاّ بكرا تلاعبها وتلاعبك ) ( وتضاحكها وتضاحكك ) !
وقال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالأبكار فإنهن اسخن اقبالاً وأنتق أرحاما
وأرضى باليسير من العمل ) !
-
حسن التجمل والزينة في الهيئة .
ثم مع هذا - أي مع
كونها بكراً - فإن على المرأة أن تعنى بهذا الجانب عناية خاصة من حسن
التجمّل والزينة للزوج ، فإن المرأة بتكميلها لهذين الجمالين ( المخبر
والمظهر ) تكون كنزا من كنوز الدنيا ، جاء في الحديث ( ألا أخبركم بخير ما
يكنز المرء : المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا
غاب عنها حفظته ) .
فتأمل الوصف : ( إذا نظر إليها سرته ) ببشاشة وجهها وطلاقته ، وحسن هيئتها
وجمالها ... هذا بمجرد نظره إليها تُسرّ نفسه وتأنس عينه فما بالك بما بقي
!!!
وهاهنا ينبغي على الزوجة أن تعنى بجمالها وحسن هيئتها سيما في زمن أصبحت
فيه بضاعة الشهوة والجنس الرخيص سائبة ، فإن المؤمن يحتاج في بيته ما يكفّ
به بصره عن الحرام ، ويقنعه من أن يمدّ عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا !!
كما ينبغي على المرأة أن تحذر في هذا الباب من أن تنجر وراء لهاث الموضة
والصرعة الأخيرة !!
فتكلّف نفسها أن تتزين بما حرم الله تعالى من تغيير خلق الله وتبديله
بالنمص أو الوشم أو الفلج أو الوصل وغير ذلك من أمور التجميل التي يعود
أثرها بالضرر المتحقق على الإنسان .
· اليسر ..
ثبت عند ابن حبان
عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيرهن
أيسرهن صداقا ) ، وفي المستدرك عند الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ( أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا ) والبركة تعني
زيادة الخير ونماءه .
فالزوجة المتيسر أمرها وحالها أكثر وأعظم بركة ممن غلا صداقها وفحش .
وإنك ترى اليوم كيف يقضي الزوج حياته في تعاسة وشقاء بعد الزواج من جرّاء
الديون المتكاثرة ..
إيجار في شقة فاخرة ..
وتقسيط لأكثر من سيارة..
وقرض من هيئات ومشاريع خيرية ..
كل ذلك ليستكمل المهر وليقيم حفلة زفاف تليق ( بالمحروسة ) ..
فأي سعادة هذه السعادة التي يجدها من يعيش همّ الدين بالليل وذلّه بالنهار
؟!!!
بل أي سعادة يجدها الزوج مع زوجة يشعر أنها هي سبب شقاءه وبلاءه ومصائبه !
وقد حصل لي وأن أطلعت على حادثة غريبة من نوعها ،حيث وجدت شابا مهر عروسه (
مبلغ خيالي ) !!!!
سألته : كيف تجد نفسك ؟!
فقال : والله لأخرجن هذه الآلآف من عيونها - يعني زوجته - !!
يقول هذا الكلام وهو بعد لم يتم زفافه ... فبالله عليكم ما حجم السعادة
التي يحياها مثل هذا مع زوجة يرى أنها استنزفته حتى أفقرته !!!
وكم سمعت عن حالات طلاق تمّت بعد الزواج بأسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين
، ثم جلسات وجلسات في أروقة المحاكم لاستخلاص الحقوق والأموال الطائلة التي
صرفت في زواج هذه المطلقة !!
ألا فليتق الله الآباء في مهور بناتهم ، فإن اشرف نساء العالمين أمهات
المؤمنين رضي الله عنهن لم يكن مهر إحداهن يبلغ عشر مهر بناتنا في هذه
الأيام ! بل كان صلى الله عليه وسلم يزوّج بالقرآن .
ومن هنا فمن أراد دوام السعادة الزوجية فعليه أن يبحث عن اليسيرة الميسّرة
لتحلّ في بيته البركة التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم .
على أن صفة اليسر صفة نسبية تختلف من فئة لأخرى ، لكن تبقى صفة اليسر صفة
يحسّها الزوج في زواجه وعشرته .
فالمرأة اليسيرة :
-
يسيرة المهر والصداق .
-
يسيرة الجَهاز والزفاف .
-
يسيرة العشرة والألفة .
-
يسيرة الطلبات والرغبات فلا تكلّف زوجها ما لا يطيق ، بل هي تعيش حياته
متكيّفة مع حال زوجها قنوعة صبورة شاكرة حامدة .
الأبناء . .
ثلاثية الأبناء
1 -
الصلاح .
2 -
البر .
3 -
الصحة .
· الصلاح .
صلاح الأبناء من
أعظم مقاصد الشريعة في تكوين الأسرة المسلمة .
إذ الأبناء هم الجيل الذين تعوّل عليهم الأمة في صناعة مجدها وصياغة عزّها
على نور من الوحي وهدى . وكما أن صلاحهم مطلب شرعي ، فهو أيضا قرة عين
لآبائهم فالابن الصالح ثمرة خير وبركة على البيت المسلم .. آثاره في الواقع
بيّنة بل ويمتد اثر صلاحه حتى بعد وفاة أبويه :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا
مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو
ولد صالح يدعو له ) فتأمل بركة صلاح الابن كيف تصل إلى أبويه حتى بعد
موتهما وليس ذلك إلا للولد الصالح .
من هنا كان صلاح الأبناء من أعظم مطالب السعادة في الأسرة السعيدة .
ولذلك جاءت نصوص الشريعة متوافرة بالأمر برعاية الأبناء وحسن تربيتهم
وتأديبهم .
قال الله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات
خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ؛ والولد مشغلة وفتنة كما قال الله : ( إنما
أموالكم وأولادكم فتنة ) وثبت في الحديث ( الولد مجبنة مبخلة ) ولهذا عطف
الله تعالى بقوله ( والباقيات الصالحات خير ) قال غير ما واحد من السلف أن
الباقيات الصالحات هي : كل عمل صالح يقرب إلى الجنة .
وسر هذا العطف أنه لما كان الولد فتنة والإقبال عليه والتفرغ له والشفقة
عليه والجمع له قد تشغل العبد عن المقصود الأعظم من حصول الأبناء نبه الله
تعالى إلى الاشتغال بتربيتهم تربية صالحة وادخارهم للآخرة خير من تسمين
عقولهم وخواء قلوبهم ... ولذلك يسمى الولد الصالح ( عملا صالحا ) قال الله
تعالى في حق ابن نوح عليه السلام ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير
صالح ) !!
وبما أن الصلاح والهداية أمر بيد الله تعالى - ( إنك لا تهدي من أحببت ) -
جعلت الشريعة بعض التدابير الوقائية التي تعين الوالدين على أن يسلك
أبناؤهم طريق الهداية والصلاح ، فمن ذلك :
- حسن الاختيار .
أعني حسن اختيار
الزوجة أو الزوج على ضوء الوصية النبوية التي جعلت أساس معيار الاختيار في
أمرين ( الدين والخلق ) .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأبناء يتأثرون بدين آباءهم فعن أبي
هريرة رضي الله أنه كان يحدث قال : النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود
إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج
البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) ثم يقول أبو هريرة رضي الله
عنه فطرة الله التي فطر الناس عليها الآية .
- الذكر عند اللقاء .
.
فعن بن عباس رضي الله
عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن أحدكم إذا أراد أن
يأتي أهله فقال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه
إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا )
قا ل ابن حجر رحمه الله : كثير ممن يعلم هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند
المواقعة والقليل الذي يستحضره . الفتح 9 / 229
-- الأذان في أذن
المولود عند الولادة .. .
فعن عبيد الله بن أبي
رافع عن أبيه قال( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن
علي حين ولدته فاطمة بالصلاة ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
فإن المولود عند خروجه يمسّه الشيطان فيستهل صارخاً لحديث أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان
فيستهل صارخا إلا مريم ابنة عمران وابنها إن شئتم اقرؤوا إني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم ) .
من هنا ندرك حكمة الأذان في أذن المولود عند ولادته ، إذ من حكم ذلك تحصينه
من الشيطان الرجيم ، لأن الشيطان إذا سمع الأذان ( ولّى وله ضراط ) !
- تربية الأبناء على
الفرائض والآداب الشرعية في أحوالهم وحياتهم ... .
وإن من أهم ما ينبغي
أن يغرسه الآباء في نفوس أبناءهم وأطفالهم :
-
حب الله تعالى .
-
حب الرسول صلى الله عليه وسلم .
-
حب القرآن .
-
أدب المعاملة مع الآخرين : ( الوالدين - الإخوان - الأقارب والأرحام -
الناس على اختلاف طبقاتهم - الحيوان ) .
وقد جاءت الشريعة بوسائل تلك التربية فمن ذلك :
-
( مروا أبناءكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) .
فتأمل كيف جعل سن السابعة سن الترغيب في الصلاة والتشجيع عليها ، فانظر لو
أن طفلا بدأ يصلي من عمر السابعة في اليوم يصلي خمس صلوات ، وفي الأسبوع (
35 ) صلاة ، وفي الشهر ( 140 ) صلاة وفي العام ( 1680 ) صلاة وفي ثلاثة
أعوام ( 5040 ) مرة يصلي فيها فهل ترى من نشأ على ذلك يترك الصلاة حين يبلغ
سن العاشرة ؟!!
-
إظهار شعيرة الصلاة في البيت تعليماً لأهل البيت وشحذا للهمم . .
فالطفل بطبعه يحب أن يقلّد الكبار في أفعالهم ، من هنا جاء التوجيه النبوي
الكريم ( صلوا في بيوتكم ) الأمر الذي يتحقق به تحصين البيت من الشيطان
الرجيم ويحصل به تعليم أهل البيت وتربيتهم على ذلك.
-
اصطحاب الأبناء للمسجد ومواطن العبادة .
الأمر الذي له بالغ الأثر في نفس الطفل حين يرى جموع المصلين تكبر مع
الإمام وتصلي معه وتؤمن لتأمينه .
ومثل هذا ينبغي على الوالدين العناية به ،كما ينبغي على المجتمع أن يحترم
ويقدّر هذا الطفل بالتشجيع والثناء وعدم زجره وتأنيبه لو أخطأ في مشاغبة أو
نحوها في المسجد فإن الطفل من طبعه الحركة وكثرتها ، ولذلك ينبغي على
الآباء والمجتمع أن ينمّو هذه الظاهرة بالتوجيه والتشجيع لا بالتأنيب
والتقريع والتوبيخ .
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل من على منبره ليحمل الحسن أو
الحسين وكان الحسن أو الحسين يرتحله وهو ساجد فيطيل السجود .
الأمر الذي يدلنا على المنهج النبوي في تعويد الأطفال على طبيعة المسجد وما
يكون فيه من الصلاة والعبادة .
ومن ذلك صحبة الطفل في حج أو عمرة أو إلى المسجد الحرام أو أي موطن للعبادة
مما يولّد عند الطفل حبا وارتباطاً بمثل هذه المواطن وما يكون فيها من
الشعائر .
-
تعويدهم على الآداب الشرعية في أحوالهم وحياتهم ..
كاحترام الوالدين ، وإكرام الضيف ، وتربيتهم على الصدق وبغض الكذب ،
وتعويدهم على الأذكار كأذكار الطعام والشراب والنوم والاستيقاظ والخروج من
المنزل والدخول ....وتعليمهم على الشعور بالآخرين والعطف على الضعفاء
والمساكين ... إلى غير ذلك من الآداب الشرعية التي يجدر بكل والد ووالدة
مراعاتها في حال تربية الأبناء ، فإن البناء أمانة والوالدين قدوة !
فيالله كم هي سعادة المرء حين يكون أسعد الناس به من حوله من أهله وابنائه
...
وليت شعري كم هو شقي كل الشقاء من كان أشقى الناس به اقربهم إليه !!
-
الدعاء . ..
فإن دعاء الوالدين لأبنائهم من أقرب الأدعية إجابة عند الله ، وذلك لما
يقوم في نفس الوالدين أو أحدهما حال الدعاء من شدة الحرص والإشفاق وصدق
اللجأ والطلب .
ومن هنا ينبغي أن نرعى ألسنتنا عند الدعاء فلا ندعوا على أبناءنا إلا بخير
وعافية ، فرب دعوة توافق استجابة تكون بها سعادة الدنيا والآخرة .. ورب
دعوة تحبط العمل وتعود على صاحبها بالحسرة والندامة .
وبعد هذا يبقى اثر القدوة والإقتداء في أن يسلك الأبناء حذو والديهم :
مشى الطاووس يوما باختيال : :: فقلّد نحو مشيته بنوه !!
· البر . .
وخلق البر خُلق
أخصّ .
وإنما أفردته لالتصاق هذا الخلق بالأبناء ، ولأن البر من غايات طلب الولد .
فإن الوالدين إنما يطلبون الولد بغية البر بهما .
وعلى هذا الخلق ينبغي أن نربي أبناءنا وفلذات أكبادنا .. وتربيتهم على هذا
الخلق يبدأ من ذواتنا نحن ، ومن خلال برنا نحن بآبائنا وأمهاتنا ؛ فكم
سمعنا ونسمع عن حوادث العقوق المتسلسلة في عقود أحداثها المتشابهة في
فصولها ، الأمر الذي يحتّم على كل والدين أن يبدؤوا بخاصة أنفسهم بالبر
بآبائهم وأمهاتهم .
والمؤسف حقاً أن يتزوج الرجل وتتزوج المرأة ثم إنهم يغفلان عن البر بآبائهم
ظنّاً منهم أنهم قد شبوا عن الطوق ولم يعد متعلق في ذمتهم البر بآبائهم بعد
الزواج !
وهكذا تبقى سلسلة العقوق متصلة في العقب والذرية - نسأل الله الحماية - ولا
يزال البيت يتجرّع مرارة الشقاء بسبب عقوق الآباء . وقد جاء في اثر : بروا
آباءكم تبركم أبناءكم !!!
وفي سبيل تحصيل
السعادة ببر الأبناء فهاكم أيها الآباء بعض الأمور المعينة على ذلك :
-
العقيقة عن المولود ...
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ولد له منكم مولود فأحب أن
ينسك عنه فليفعل عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ) الحاكم في المستدرك .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم
سابعه ) .
فالعقيقة عن المولود وسيلة من وسائل تحقيق بر الأبناء وتجنيبهم العقوق .
-
اختيار الاسم الحسن للمولود ....
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويعجبه الفال الحسن
.
ثم إن الاسم له اثر على شخصية حامله ، وبقدر ما يكون اسم الولد حسناً بقدر
ما يجد اثر ذلك في بر الأبناء. فإن الابن قبيح الاسم يكبر وتكبر معه أحقاده
على من تخيّر له اسم يُعيّر به وهذا أمر واقع - نسأل الله الحماية - .
وفي تربيتك لأبنك وطفلك :
-
عوّد طفلك على احترام أبويه . فلا يرفع أحدكما صوته على الآخر أمام الأطفال
الأمر الذي يُسقط قيمة الاحترام عند الطفل لأبويه أو أحدهما .كما لا تتعارض
توجيهاتكما للطفل تعارضا يسقط هيبة أحدكما عند الطفل .
-
كافئ طفلك على حسن بره ومساعدته لأبويه وسماعه للتوجيهات . فقد يقوم الطفل
بمساعدة والدته في بعض شئون المنزل .. لا تجعلي هذا الموقف يمرّ دون مكافأة
أو إشادة وحسن توجيه .
-
لا تتغاضى عن خطأ الطفل في حق والديه ، فالطفل قد يسب والديه أو قد يرفع
يده ليضرب أو يصفع !! لا تتجاهل هذا الخطأ ولا تجعله يمر عابرا كما لم يكن
عابراً في بدايته !!
-
أيها الوالدان أشعرا أبناءكم بالحب والقرب منهما ، فبقدر ما تنمى عاطفة
الحب عند الطفل بقدر ما يستقيم على طريق البر والإحسان .
وحين يتحقق بر الأبناء بوالديهم فإن السعادة تغمر البيت كما لو كانت جنة من
جنان الدنيا .
استشعر معي سعادة ذلك الإنسان الذي كان يغبق لوالديه اللبن ، وفي يوم تأخر
عليهما بالغبوق فأدركهما وقد ناما فوقف على رأسهما حتى يستيقظا ليعطيهما
غبوقهما وأطفاله من حوله يتضاغون كتضاغي صغار الطير من شدة الجوع وهو يؤثر
أن لا يطعم الغبوق أحد قبل والديه !!
فيالله ما أجمل نغمات التضاغي .. ..
ويالله ما أعذب وأهنئ وامرئ الغبوق بعد شِبع الوالدين ....
وتأمل أثر هذا البر في واقع الحياة وكيف أنه بسبب ذلك فرّج الله عن هذا
البار كربة من كرب الدنيا !!!
كم هي سعيدة تلك الأسرة التي تعيش بر أبناءها .
· الصحة ..
فإن من أعظم ما
يدخل السرور والسعادة في البيت أن يكون الابن أو البنت في صحة وعافية .
فكم يكون البيت سعيداً حين ما يكون البناء في صحة وعافية .
الأمر الذي يعرف شأنه بقياسه بالضد ...
فكم يكون البيت كئيباً عند مرض الأطفال ...
فلا الليل ليل ولا النهار نهار !! يحس بهذا كل أب مشفق وأم حانية .
وقد ذُكر عن بعض السلف أنهم كانوا يهنئون من وُلد له ولد بسلامة المولود
وأنه لم يكن معاقا أو معتوها ! بل كان بعضهم أول ما يسأل عنه عند ولادة
المرأة : السؤال عن حال الطفل وصحته .
ومن هنا نجد أن بعض التوجيهات النبوية في حق المولود تشير من ضمن ما تشير
إليه إلى أهمية حفظ الصحة للأطفال ؛ فمن ذلك :
-
الندب إلى الأذان في أذن المولود .. الأمر الذي يكون له أثر نفسي على
المولود بعد أن مسّه الشيطان عند خروجه
-
إماطة الأذى عن رأس الطفل بحلق رأسه في يوم السابع ثبت عند الترمذي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه
ويسمى فيه ويحلق رأسه )
وقد كان أهل الجاهلية يضعون الدم على راس الطفل يوم سابعه فأمر صلى الله
عليه وسلم بإبطال هذه العادة وأن يوضع على رأس الطفل الخلوق ، وهو نوع من
أنواع الطيب .
-
تحنيك الطفل له اثر إيجابي في رفع سقف الفم ( الحنك ) مما ييسر على الطفل
سهولة رضاعة لبن الأم والاستفادة منه .
-
تحصين الأطفال وتعويذهم بالأذكار والرقية الشرعية . ومن هذا : ما جاء من
الأمر بكفّ الصبيان عند المساء فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا
صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ) وعند
البخاري : ( فإن للجن انتشارا وخطفة ) !
-
الأمر بالختان فبالإضافة إلى أنه من شعائر الإسلام فهو أيضا له آثار صحية
أثبتتها بحوث ودراسات وفحوصات طبية بيّنت أن الطفل المختون أحسن صحة من
الطفل غير المختون .
-
الرضاعة الطبيعية . فإن الله جعل من حق المولود أن ترضعه أمه حولين كامل ،
ومن نافلة القول الإشارة إلى فوائد حليب الأم للطفل فقد أكدت الأبحاث أن
الطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية يكون أقل عرضة
للأمراض حتى وإن كان معرضا لمرض وراثي مثل السكر فالرضاعة الطبيعية تؤخر
إصابته بنفس المرض. وقد استحدثت اليابان إجراءات تتبع في المدارس عند توزيع
الأطفال في الفصول حيث خصصت فصولا للأطفال الذين تمت رضاعتهم طبيعياً
باعتبار أنهم أكثر ذكاء. !
فلبن الثدي يتمتع بقيمة غذائية عالية ويسهل هضمه في أمعاء الطفل بالإضافة
إلى أنه معقم طبيعياً وهو دائماً في درجة حرارة مناسبة للطفل صيفاً وشتاءً.
كما أنه يحتوي على ما يسمى علمياًبالأجسام المضادة التي تساهم في زيادة
مقاومة الطفل.
أضف إلى أن للرضاعة أثرا ايجابيا على صحة الأم نفسها وذلك من عظيم فضل الله
ومنّته .
خلاصة القول : أن صحة الطفل واعتدال مزاجه مما يضفي على الأسرة سعادة
تستذوق طعمها وتستعذبها كالماء العذب على الظمأ
وهنا ينتهي الكلام حول ما يتعلق بأولى ثلاثيات البيت السعيد . . ألا وهي
ثلاثية الأفراد . . .